القديس أنطونيوس الكبير

القس بـول ربــان

الزهدُ يعني التخَّلي عن آلإهتمام بآلذات، خاصَّةً بآلملَّذات، وآلتصميم على آلعيش كما أعلنه آلمسيح، “إِسعوا أوَّلا إلى ملكوت آلله وبرِّه” (متى6: 33)، “إِذ ليس ملكوت آلله أكلًا و شربًا…” (رم14: 17). هو آلتجَرُّدُ عن آلجسد وآلمال وآلجاه، وآلعيشُ بآلمقابل في محبة آلله وتبجيله. وهذا يتطلبُ مقاومةَ آلميول وآلشهوات وآلملَّذات آلحسِّية، ومحاربة إبليس الذي يدفع إليها آلأنسان. قاومَ آلمسيحيون ابليس وأعوانَه في آلإضطهاد آلجسدي. يقاومونه آلآن في آضطهاد آلشهوات.
نعرفُ سيرة مار أنطونيوس عمَّا كتبه عنه تلميذه القديس أثناسيوس آلأسكندري سنة 360م.
الأحداث
• وُلِد في هيرقلية حوالي سنة251م، من أبوين مسيحيين، من أغنياء آلقوم وأشرافهم.
• لم يختلط في طفولته مع آلأطفال، ولم يخرج من بيت والديه.
• وحتى لا يختلط مع آلأطفال لم يدرس، وحتى عندما كبر.
• مدرستُه كانت آلكنيسة حيثُ يحضرُ آلطقوس آلدينية مع والديه: يُصغي جيِّدًا ويحفظُ كلَّ ما يسمعه.
• لمَّا كبرَ إشتغل ولم يستسلم للكسل أو آلإهمال رغم غنى والده، ولم يبذخ في آلعيش.
• أصبح يتيم آلوالدين وعمره ثماني عشرة سنة. له أخت تصغرُه تحَمَّل مسؤولية تربيتها.
• ولكونه مزارعًا يفلحُ حقولَ والده، ويأخذ آلأنجيل حرفيًا على محمل آلجد.
• بعد ستة أشهر من وفاةِ والديه سمع في آلكنيسة إنجيل متى (19: 16-29)
طلبَ الشاب آلغني ماذا يفعل ليرث آلحياةَ آلأبدية. وكان جوابُ يسوع أولا ” إِحفظ آلوصايا “، ثمَّ ” بِعْ أموالكَ وأعطها للفقراء فيكون لك كنزٌ في آلسماء، وتعالَ فآتبعني”. كان أنطونيوس غنيًا. وكان يُحِّبُ آلرب. حسبَ ذلك نداءًا موَّجَهًا إليه. بدأ يتعمَّق في آلتأمُّل فيه وآلتفكير في كيف ترك آلرسلَ كلَّ شيءٍ وتبعوا يسوع. وفي كيف كان آلمؤمنون يبيعون أملاكهم لتُوَّزع على آلمحتاجين (أع4: 34-35). قرر بعد سنتين أن يقتديَ بهم ويتبعَ نداءَ آلرب.
– باع أملاكه وقصورَه، خصَّصَ حِصَّةً لأخته لمعيشتها. أمَّن أُختَه لدى جمعيةٍ نسائية
إِستجابةً لطلبها، وزَّع خيراتِه على آلفقراء (متى6: 34)، وبدأَ يعيشُ في أطرافِ آلمدينة حياةَ آلعُزلةِ وآلوحدة قربَ حقلٍ قديمٍ له، يقضي وقتَه بين آلعمل وآلصلاة. ثمَّ إِنتقلَ يعيشُ في كهفٍ قرب كوخ شيخ ٍ مُتوَّحد. يلتقي معه ويتدَرَّبُ على يده على حياةِ آلنُسك. كان يتقَصَّى أخبارَ آلمتوَحِّدين ويبحثُ عنهم ويطلب نصائِحَهم ويقتدي بمثالهم. إِستمَرَّ يشتغلُ (1تس3: 10) ويداوم على آلصلاة (1تس5: 17) ويتأمَّلُ آلكتابَ آلمقدس. كان يقتدي بآلزُهّاد، لاسيَّما في حبِّهم للمسيح ولبعضِهم آلبعض. كانت حياتُه قشِفةً جدًّا. قرر بعد فترة أن يُشَّددَ عزلتَه لإطالةِ إختلائه مع آلله، فآبتعد عن آلناسك وعاش في آلبرية في مغاور وكهوف مدَّة ثلاث عشرة سنة. وبلغ منه آلتقَشُّف وآلنُسك حتى حبسَ نفسَه كثيرًا في قبورٍ قديمة. ثم انتقل سنة 285م إلى آلصحراء وعاشَ في خريبةٍ رومانية قريبة من جبل آلقلزم، على طريق آلبحر آلأحمر، مقتديًا بذلك نسّاكًا كثيرين سبقوه إلى آلعيش في آلفقر وآلعفاف. كان آلشيطانُ قد بدأَ يُجَرِّبُه وبقسوة ووحشية. وطالت آلتجاربُ سنين كثيرة (20 سنة).

التجارب
كان آلشيطان يهجمُ على أنطونيوس بمجاميع (لجيون، مر5: 9)، ومشاهد مخزية، وأفكار دنسة. ويتظاهرُ أحيانًا وكأنه يرأفُ به. يدعوهُ إلى آلأكل. يُحَوِّله عن ممارساته آلتقوية. يتَّهمُه بأنه ينتحر، وهذا لا يَرضى عنه آلله. يُريه ضعفَ صحتِّه. يقلقُه في آلليل كي لا ينام. يُشّوِّشُه في آلنهار بأفكارٍ قبيحة.
أمَّا أنطونيوس فيُقاومُ ولا يستسلم، ولا يتراجعُ عن إِختياره وسلوكه آلتزَّهدي. يلجأُ إلى آلصلاة وآلصوم. وحتى قفَلَ مرَّةً ألقبرَ على نفسه حتى لا يُزَّودَه صديقُه بطعام، فلا تتغَلَّبَ عليه تجربةُ آلأكل.
لم يتحَمَّل آلشيطان صمودَ أنطونيوس. وخافَ ألا ينشرَ طُرقَ عبادته في آلصحراء، فهجم عليه ليلةً مع شياطين كثيرين وضربوه ضربًا مُبرحًا. وقعَ من شدَّةِ آلضرب على آلأرض. وآستمروا يضربونه حتى آنقطعَ عن آلكلام، وظلَّ ممدودًا أرضًا إلى أن جاءَه مُتوَّحِدٌ صديق ليُعطيَه خبزًا. لقيَه شبهَ مَيِّتٍ، فأسعفه وحمله إلى قرية قريبة وعالجوه. ولم يستفِق من غيبوبته إلا بعدَ منتصفِ آلليل. إٍستفاقَ ورأى أهلَ آلقرية نائمين حولَه، عدا صديقه. طلب منه أن يحملًه ويُعيدَه إلى قبرِه. ظلَّ فترةً لا يقوى على آلوقوفِ على رجليه، لكنه لم ينقطع عن آلصلاة. ثم صاحَ في وجه ابليس:” لن أبرحَ قبري. لن أهربَ من ضربِك. لا شيءَ يفصلني عن حبِّ آلمسيح ” (رم8: 35).
كان آلشيطانُ أحيانًا يُحَدِّثُه ويُقِرُّ بفشله. سمعه مرَّة يقول:” أحسَسْتُ بضُعفي”. سأله أنطونيوس ” من أنت “؟. أجابه ” إِسمي روحُ آلفِسقِ. وأنا هو الذي ضربَك وعذَّبك، لكنك ردَّيتني دومًا على أعقابي”. أخذ آلشيطان يتزَّيا بشكل حيواناتٍ مفترسة وأفاعيَ يُصدرون فحيحًا مُرعِبًا. ثم يرى ذئابًا ودُبَبًا تهجم عليه لكنَّ قوَّة خفية ترُدّها عنه. يشعرُ بألمٍ قاسٍ وهو ممدودٌ على آلأرض، يَـئِنُّ ويصرخ في وجهها ” لو كان، ولو لواحدٍ منكم، سلطانٌ عليَّ لكان غلبني.. إنَّ إِيماننا بآلمسيح ختمٌ يضمنُ لنا سورًا يحمينا “. وظلَّ رغم جميعِ عذاباته فرِحًا يُنشدُ آلمزمور:” أحاط بي جميعُ آلأُمم، بآسم آلرب أُزيلُهم. أُرتِّلُ للرب فهو خلاصي” (مز118: 10-18).

ظهورُ آلمسيح له
رفعَ أنطونيوسُ بصَرَه إلى فوق فرأى أنَّ آلسقفَ ينفتحُ، وأتاهُ شعاعٌ من نور. إختفى آلشيطان. زالت أوجاعُ جسمِه. وبدا مسكنُه سالمًا. فقال بلهفة ” أينَ كنتَ يا رب؟. لماذا لم تأتِ منذ آلبداية “؟. سمع جوابًا ” أنطوان كنتُ هنا. ولكن أردتُ أن أشاهدَ آلمعركة. وبما أنَّك قاومتَ ولمْ تُغلَبْ سأحميك من آلأن فصاعِدًا، وأجعلُ إسمك شهيرًا في آلأرضِ كلِّها “؟. إنتصبَ أنطونيوسُ وصَلَّى. كان عمرُه 35 سنة.

تجَّمع آلتلاميذ حولَه
إنتشرت في هذه آلأثناء أخبارُ أنطونيوس، ولاسيَّما رائحةُ جهادِه وقداستِه، فكان يقصُدُه زُهّادٌ وزُوّارٌ ليتعرفوا عليه ويتباركوا بنصائحه. ثم تقاطرَ عليه آلزُهّادُ يطلبون مشورته وعونَه في آلجهاد ضدَّ آلشيطان، ويتتلمذون على يده. يعيشون بجواره في آلمغاور، مِن حيثُ يسمعون كلامه. ثم يجتمعون حولَه للصلاةِ معه. ومع مرور آلزمن تكَوَّنت مجاميعُ تعيشُ مع بعضِها. ثم حاولوا تنظيم حياتهم آلجماعية بين آلشغل وآلصلاة وآلتأمُّل. وشعروا بآلحاجةِ إلى مسؤولٍ عنهم يُتابعُهم ويساعدُهم. فآختاروا أنطونيوس دليلًا لهم ومُرشِدًا روحيًا. كانوا يعيشون على ضفتَي نهر آلنيل، في ” قلالٍ”، هي مغاور، ويجتمعون معًا يوم آلسبت لصلاة آلأحد، ثم يعودون ينتشرون في ملاجِئِهم التي هي كهوفُهم.
قصَدَه سنة 307م هيلاريون آلغَزّي ليتعَلَّم على يده كيف يُنَّظم ديرًا في غَزَّة، وصار يُعتبَرُ أحدَ آلمراكز آلمسيحية آلأولى. سنة 312م إِبتعدَ أنطونيوس عن آلمنطقة طلبًا للراحةِ في آلعُزلة. قصدَ عندئذٍ جبَلَ آلقلزم. وهكذا ظلَّ ينتقلُ من مكانٍ إلى آخر، ويُشَّكلُ مجموعةً بعد أخرى، يُرشدُ ويُشجِّعُ على آلثبات في آلزهدِ وفي محاربةِ آلشيطان ومقارعتِه بآلصوم وآلصلاة، إلى أن بلغَ من آلعمر عَتِّيًا، وتُوُّفيَ بين ذراعي تلميذيه مقاريوس آلقديم المصري، ورفيقه أمَتاس سنة 356م بعمر 105 سنوات. يُعَّيدُ له يوم 17 كانون آلثاني.
• عاش أنطونيوس حياةَ آلتقّشُّفِ، وكانت سِلاحَه آلأقوى ضد آلشيطان.
• كان يُكثر آلصيام ويُقَّوي به جسمه، ويتأمَّلُ آلكتابَ آلمقدس الذي سمعه في آلكنيسة.
• كان يُصَّلي بآستمرار، ويسهرُ آلليلَ كلَّه في آلصلاة. كانت غذاءَه وسِلاحَه ضِدَّ ابليس.
• ولم يكن ابليس وتجاربُه لا خيالاً ولا فريةً. وإذا سمح آللهُ لأبليس حتى أن يُعَذِبه فلكي يُعاين كيف يصمُد أحبّاؤُه وينتصرون على آلعدّو ابليس، ويُؤكدُ حضورَه ليُنصِرَ أتباعَه آلأمناء لحُبِّه.

عن Yousif

شاهد أيضاً

المحبة حجر أساس وحدة آلمؤمنين

القس بـول ربــان نحتفل بأسبوع آلصلاة من أجل وحدة آلكنيسة، ووحدة آلكنيسة تقوم على وحدة …