كيف نُعَّزي آلآخرين؟
القس بـول ربــان
أهلا وسهلاً بآلسائل آلكريم.
كتب أخٌ مؤمن، أبى ذكرَ آسمه، يقول: “ليتك تكتبُ كيفَ نُعَزِّي آلآخرين. يكتبُ آلناسُ عباراتٍ كثيرة روتينية، فرغت من معانيها. مثل “إِن شاءَ آلله آخر آلأحزان”. أو “يسكنه فسيح جناته”. أو “يرحمه”. ثمَّ تحدَّث عن أننا ننقلُ جُمَلاً سمعناها أو قرأناها في آلفيس بوك، ولا نعرف مصدرها، ولا نعي فحواها، لأنها لا تخرج من قلبنا بل من فمنا فقط. بينما الناس لا تقبل آلموت، وفقدت آلأيمان بآلملكوت. وألفاظُنا صارت تقليدية “جفيان آلشر”، لنتخَلَّص من واجب ثقيلٍ علينا، نتظاهر به أكثر مما نُريد فعلا أن نُشعِرَ أهل آلميِّت أننا قريبون منهم، ونهتَّم فعلاً بأن نُعَزيَّهم ونخرجهم من حُزنهم. أن نعطيهم آلرجاءَ بالحياة.
لا تحزنوا…!
لما أحسَّ مار بولس أن أهل تسالونيقي يحزنون على موتاهم بشكل غير معقول دعاهم إلى ترك عاداتهم آلوثنية وإلى آلعزاءِ بإيمانهم آلجديد بيسوع آلمسيح. فكتب إليهم: “لا تحزنوا كسائر آلناس الذين لا رجاءَ لهم. فإن كنَّا نؤمن بأنَّ يسوع ماتَ ثم قام، كذلك نؤمن بأنَّ مَن يموتون في يسوع، سينقلهم الله إليه مع يسوع” (1تس4: 13-14). أي لا نسلك سبيل آلعالم بل في كلِّ ظرفٍ من حياتنا، وآلعسيرة منها، نعود إلى إيماننا ونرى فيه آلجواب لمحنتنا. وقد قال يسوع عن آلمؤمنين به: “إنَّهم لا ينتمون إلى آلعالم… أيُّها آلآب أُريدُهم أن يكونوا معي حيثُ أكون ليروا مجدي” (يو17: 14 و24). ويدعو آلأبرار منهم قائلاً: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا آلملكوتَ آلمُعَدَّ لكم منذ إنشاء آلعالم..” (متى25: 34).
نؤمن بآلله، وبآلحياة. لم يخلقنا آلله لِكَمْ سنة. فآلموتُ ليس نهايةً وفناءًا. بل آلتمتع بآلحياة آلحَّقة، ألسعيدة وآلمجيدة، التي فقدناها بسبب آلخطيئة، لكن آلمسيح دفع عنا ثمنها وفتح لنا بابها من جديد لنحيا مع آلله. إنَّما ليس على آلأرض آلمادية بل في عالم آلله آلروحي. وموت آلجسد ليس إلاّ ساعة آلخلاص وآلإرتحال من آلمعاناة آلزمنية وبدء حياة آلراحة وآلهناء في حضرة آلله. ولا معنى للحياة بدون هذا آلأيمان. ومن يقبل به ويسمع كلام آلله يربح آلراحةَ للأبد. أما من يرفضُ هذا آلأيمان فهو آلخاسرُ آلأكبر. لأنَّه شاءَ أم أبى سيبقى يحيا للأبد. يسوع مات بآلألم لكنه قام بآلمجد. يهوذا لم يُؤمن بآلخلاص فسلَّم معَلِّمه وآنتحر(أع1: 17-19) فهلك للأبد (يو17: 12).
فلا نكره آلموت، لا لنفسنا ولا لغيرنا. فآلموت نظامٌ وضَعَه آلله للأنتقال من حياة آلشقاء إلى حياة آلهناء. “ستحزنون آلآن” قال الرب: “لكني سأعود وأراكم فتفرحُ قلوبُكم فرحًا لا ينتزعُه عنكم أحد” (يو16: 22). ولا تنشغلوا بمعاتبة أنفسِكم أو غيركم، ولا تنغلقوا على أنفسكم، يلتهِمُكم آلحزن وآليأس. إننا لا نخسر أمواتنا، بل نكسبُهم للحياة آلهنيئة مدى آلأبد. وحتى لا نخسرهم بآلهلاك لنتهَيَّأ ونُهَّييء غيرنا إلى إستقباله بهدوء وفرح لأنَّنا نعرف أن آلمسيح في آنتظارنا يستقبلنا بفرح. هكذا فعل آلشهداء قبل قتلهم، حتى نقلت آلصلاةُ عن لسانِهم قولَهُم: “عَجِّلْ أيها آلحاكم وآقطع رأسَنا حتى نصعدَ للسماء حيثُ ينتظرُنا ربُّنا”. لنتثَقَّف عن إيماننا ونتذَكَّرْ تعاليم آلمسيح ونثقَ بوعود آلرب، لاسيَّما أن نتقيَّد بوصاياه. يجب أن يكون المسيح فينا حتى نقدر أن نُعطيه لغيرنا. لأنَّ آلعَطَّار لا يبيع إلا ما يملك.
لا تبكوا عليَّ!
بكت بنات أورشليم لآلام يسوع آلمُرَّة في مأساة آلجلجلة. قال لهن: “لا تبكين عليَّ، بل على أنفسكن وأولادكن” (لو23: 28). يسوع بريء. يقدر إذا شاء أن يتخلصَّ من أعدائه، بل وأن يفنيهم (متى26: 53). يسوع يُجاهد للحق، لا يخطأ بل يخضع لمشيئة آلله. ويعرف أنه سيتمجَّد. هو متحرر عن قيود آلخطيئة. فهو هادئ ومرتاح. أما بنات أورشليم اللواتي يعشن في بيئة آلشر وآلفساد فهن معَرَّضات إلى محن وعذابات. سيتألَّمنَ لإِنَّهن أَضعفُ منه. وقد يخطأن أيضًا، فعليهن آلحذر وآلأستعداد لمواجهة مِحنهِنَّ. هكذا نحن.
داود آلملك لما مرضَ إبنه من بتشابع، نام على آلأرضَ توبةً، في صومٍ وصلاةٍ لعلَّ آلله يغفر له ويشفيَ آلطفل آلبريْ. لم يسمع لمستشاريه، ولم يُغَير سلوكه. بعد سبعة أيام مات آلطفلُ. لم يتجاسر مستشاروه أن يكلموه. كانوا يتهامسون بينهم. أحسَّ داود بآلفاجعة. ولما عرف أنه مات “نهضَ من آلأرض، وآغتسلَ وسرَّح شعرَه وغيَّر ثيابه ودخل بيت آلرب فسجد، ورجع إلى قصره وطلب آلطعام فأكل… وقال: “لما كان آلصبيُّ حيًّا صمتُ وبكيتُ لأني قلتُ مَن يعلم لعَلَّ آلرب يرحمني ويحيا آلصبي. أمَّا آلآن فهو مَيِّت.. لا أقدر أن أرُدَّه. أنا أذهبُ إليه، أمَّا هو فلا يرجع إِلَّيَ” (2صم12: 15-24). لِنطلب لأمواتنا الراحة وآلهناء مع آلله في آلأبدية، وأن يَجمعنا يومًا معهم عنده في آلسعادة وآلمجد.
إِفرحوا مع آلفرحين، وآبكوا مع آلباكين!
علمنا آلله آنَّ آلحُبَّ أساسُ آلحياة وأنَّه واحدٌ لا ينقسم: لله وللقريب. ولهذا قال “أحببْ خير قريبك كنفسك”. وربط يسوع الدينونة آلأخيرة بأعمال آلمحبة. فقال: “كلَّ مرَّةٍ قدَّمتم خدمةً لأخوتي آلصغار هؤلاء {{الجوعانين وآلعطشانين وآلغرباء وآلفقراء وآلمرضى وآلحزانى آلمظلومين }} فلي عملتموه” (متى25: 40). فلا نكتفي فقط بإلقاءِ أو كتابةِ عبارةٍ سريعة لا تُنعشُ إيمان آلمحزونين ولا تسَّليهم. ولا ننقل عن غيرنا بل نحاول أن نعيش معهم إيماننا بآلحياة آلأبدية ونساعدهم ليرتفعوا عن محنتهم ويلقوا همَّهم على آلله. قال آلكتاب: “الأمواتُ آلأبرار هم أمام عرش آلله. يعبدونه في هيكله ليلاً ونهارًا. والجالسُ على آلعرش يُظَلِّلُهم بخيمتِه. فلن يجوعوا ولن يعطشوا. ولن تضربَهم آلشمسُ ولا أيُّ حرٍّ. لأنَّ آلحملَ الذي في وسطِ آلعرش يرعاهم ويَهديهم إلى ينابيع ماءِ آلحياة. وآللهُ يمسحُ كلَّ دمعةٍ من عيونهم” (رؤ 7: 14-17).
فلا ينفع آلـمَيِّتَ لا آلبكاءُ ولا آليأس ولا آلتذَّمُر، ولا آلأهتمام بمظاهر دنيوية صاخبة من آلندب أوآلمَئَآدب، ولا آلتعابير آلركيكة وآلفارغة من روح إيمانية، بل ما ينفع هو آلأهتمام بآلواقع وآلتعاون على تعَدِّي آلمحنة بحيث يُخَّففُ حزنُ أهل آلميِّت إِذ يشعرون أنَّ مُصابَهم هو مصابُ آلجميع، وأنَّ ميِّتَهم حَيٌّ تنفعه آلصلاة أو آلصدقات عن روحه. ألتضامن في آلمحنة يجعلهم يسلكون سبيل آلأيمان فيحمدون آلله في آلحزن كما في آلفرح، وكما في مسيرة آلحياة آلإجتماعية آليومية.
أقدم فيما يلي عبارة مقتضبة إيمانية قد تنفعُ أكثر لِـتُعَزِّيَ آلحزانى: “إننا نشاطركم أحزانكم. لِـنَـتَعَـزَّ بوعود آلرب يسوع، وَلنُصَّلِ إلى آلله ليرحم فقيدَنا ويستقبله في ملكوته ومجده. ويُؤَّهلنا جميعًا لأنْ نلتقيَ معًا في وليمته آلسماوية ونشارك آللهَ خيرَه وراحته للأبد”.