لغة الكلام بين الله والأنسان!
القس بول ربان
أهلا وسهلا بالسائل الكريم
سألني شماسٌ عن لغة الحوار بين السماء والأرض عند حدوث ظهورات “العذراء ورب المجد” قائلا:
– ما هي اللغة التي يتحدثون بها؟
هل هي لغة ذلك البلد أم لغة أخرى؟
إن كانت لغة أخرى فكيف يتم التفاهم بينهم؟
لغة الله!
اللغة هي النطق الذي خلقه الله وعلَّمه للأنسان. وكان نُطقا واحدًا هو “الحوار والتفاهم مع الآخر”. الله هو هو لم يتغَّير ولا تكاثر حتى يختلف نطقه من زمن الى آخر أو من مكان الى آخر. ولم يكن نطقه بحروف وألفاظ لأنه لا لسان له ولا حلق لتتكون منهما الكلمات ثم العبارات، ولا آذان له ليسمع. إنه روح محض لا حواس له ولا جسم. لغة الله هي حياته، وحياته هي الحب. الله يتصل بالأنسان بمعرفته وقدرته الخّلاقة. أي يتصلُ به بشكل يُحّسُ به الأنسان ويفهمه. جاءَ في الأنجيل: “عَلِمَ يسوع أنَّ للتلاميذ رغبةً في سؤالِه” (يو16: 19). وبعد ذلك بقليل لمَّا أتَمَّ يسوع حديثه عما كان يجول في خاطرهم قالوا له: “نرى الآن أنَّك تعلمُ كلَّ شيء، لا تحتاج الى من يسألك” (يو16: 19، 30). وكما لا يحتاج الله الى السماع لا يحتاج كذلك الى الكلام. بل أخْذُه وعطاؤُه مع خلائقه هو إتصال “حيوي” تدركُه الخلائقُ دون إشكال.
لغة الأنسان!
أما الأنسان فلأنه ليس هو الخالق لا يعرف غير نفسه. ولأنه ليس واحدًا بل تكاثر، وكلُّ فردٍ قائمٌ بذاته ولا صلةَ له بالآخر ما عدا الأنجاب، وبما أنه يتفاعل ويتعاطى مع الآخرين عن طريق الحواس، وبما أنه يتأثر من ظروف الزمان والمكان، كلُّ هذا يجعله يتحدَّثُ بكلام محسوس، تبُثُّه وتستقبله الحواس، ويخضع للأختلاف بسبب الابتعاد والعزلة المكانية. ومع تكاثر الأنسان وآنتشارِه تغَّيرت مفردات النطق وتكاثرت حتى أصبحت لغاتٍ عصيةً على غير أفراد المدينة أو العشيرة. بل صارت لا تُفهم بغير وسيط يترجمُ بين طرفين مختلفين. وفي حين يتم التواصل بين أقانيم الله بالحب الحيوي، يتم الأتصال بين الناس بالنطق الكلامي “الأدبي”.
الحوار في الظهورات!
فالله لا يتكلم لغة معينة من لغات البشر. إنه يتكلم بلغته الخاصة والعامة لكل البشر. وبقوته الخلاقة يجعل الأنسان يفهم اللهَ بلغته. كان الرسل يتكلمون العبرية أو الآرامية. ولما حلَّ الروحُ القدس عليهم جعلهم ينطقون بلغاتٍ لم يتعاطوا معها حياتهم كلَّها. وتلك اللغات كانت التي يتحدثُ بها شعوبُ سبعَ عشرة منطقة أو بلد. وتحدثوا بها فقط يوم العنصرة، وفي وجود أناسٍ حاضرين يتكلمون بها. تلك المعجزة أجراها الله لأنهم كانوا كلًّهم أبناؤُه قادمين من بعيد ليسمعوا كلامه (أع2: 4، 6). ولم تتكَرَّر بذلك الشكل، ولا إستطاع الرسل مواصلة الكلام بتلك اللغات، لأن الحاجة اليها قد إنتفت. كانت تلك ظاهرة من ظهور الله.
وهذا يجعلنا نفهم أن بقية الظهورات، منها العصرية، يتم فيها الحوار بين رسول السماء والأنسان بنفس الطريقة. لأنها كلها معجزات خارقة العادة. وتأكيدًا على ذلك إنَّ الجماهير التي عاينت ظهورات مريم العذراء، في لورد او فاتيما، أحَسَّت بآنخطاف الرؤاة وبأنهم يتحاورون مع شخص لا يرونه هم ولا يسمعونه، ولم يكونوا يفهمون الكلام الذي كان الرؤاة ينطقون به. تمامًا كما حدث لمار بولس على طريق دمشق وهو يتحدَّث مع الرب يسوع، يحُسُّ رفاقه بذلك لكنهم لا يفهمون شيئًا من حديثه (أع9: 7). والرائي يفهمُ بلغته (الآرامية أو الفرنسية أو البرتغالية). ويتهَّيأُ له أنه يسمع بتلك اللغة إلا إنَّ الله أو رسولَه لا يتحدث بسوى لغة الله، لغة الحياة التي لا تحتاجُ لا إلى النطق ولا الى السمع. لأنَّه حتى أجساد القديسين قد أصبحت روحية ولا حواس لها تستعملها.
التكلم باللغات!
إذن لا يوجد أيُّ إشكالٍ في الحوار بين السماويين والأرضين. يمكن أن يظهر مار يوسف أو مار بولس أو أيًّ قديس أوربي بقدرةٍ إلهية في الهند أو الصين ويبلّغ رسالة السماء ويتلقاها ويفهمها كلُّ واحد بلغته لأنَّ الرب يتحدث الى الفكر والقلب لا إلى الحواس. وهذان هما نفساهما في كل إنسان.
والتكلم باللغات لم يتوقف أو يبطل. كان مار بولس أحد الذين يحدث له ذلك. وكان مسيحيو الجيل الأول، منهم أهل كورنثية يتمتعون بهذه الموهبة، وهي فعلا موهبة روحية خاصّة من مواهب الروح القدس (1كور12: 10، 30). ويبدو من ذلك الزمن أنها تخَصَّصت بالكلام مع الله بشكل فريد لا يفهمه غير الذي يتحدث فيه (1كور14: 2) لأنَّه به يقول بالروح أشياء خفية. هذا الذي حدث في لورد أو فاتيما. وهذا هو الذي يحدث في عصرنا عندما نسمع عن”الموهوبين” {Carismatics} الذين ينطقون بلغات أو كلام غير مفهوم.