تساوي الخطايا، الكنائس والمطهر!
القس بـول ربــان
أهلا وسهلا بالأخ عماد شيخو
سأل الأخ عماد:
1. هل تتساوى خطايا الأنسان فعليًا عند الله؟ مثلا السرقة كالكذب؟
2. هل جميعُ الكنائس مُتَّفقةٌ على وجود المطهر؟
3. هل يعني وجودُ المطهر أننا سندخل السماء بعد تطهيرنا من خطايانا؟
مساواة الخطـايا فيما بينها!
الله هو مصدر كل الوصايا. وإذا أوصى بشيئين مختلفين فذاك يعني أنهما بنفس الأهمية والقيمة. وإلا كان إكتفى بواحد منهما فقط، بالأهم. عندما قال ” لا تسرق” فَـلِـيُرشد الأنسان إلى عدم الأنانية وعدم إستصغار الآخر، ولا سيما الى محبته. وكذلك عندما قال ” لا تكذب ” فلعدم إحتكار الحقيقة لنفسه وحده وعدم غش الآخر، وبالتالي الى محبته والتعامل معه كمع نفسه. وهكذا المحبة هي التي تجمعُ كلَّ الوصايا كما قال الكتاب. لا شريعة غير المحبة التي هي الجذع الأصل ومنها تتفرَّع كلُّ الأغصان، وهي سبلٌ عديدة ومختلفة لعيش الحياة نفسها. ولا ننسى أنَّ الله تجتمع فيه كل الصفات تختصرها المحبة، ” الله محبَّة ” (1يو4: 8). ومن آمن بالله وعرفه فأحَّبَه لا يمكن أن يُخالف وصاياه. وإذا خالف واحدة منها خالف محبة الله نفسها. كذلك إن أَذَّى القريبَ في شيءٍ واحد أذّاه في المحبة. والمحبة لا تنقسم، ومن خالفها في جزءٍ منها خالفها كلَّها. هذا ما قاله الكتاب:” من حفظ الشريعة كلَّها وأخَّلَ بأمر واحد منها أخطأ بها جميعا. لأنَّ الذي قال ” لا تزنِ” قال أيضا “لا تقتل”. فإن قتلتَ ولم تزنِ كنتَ مخالفا للشريعة” (يع2: 10).
الكنائس والمطهر!
الأيمان بالمطهر، إي حالة عدم الهلاك وعدم التمتع الكامل بالخلاص، موجود من بداية المسيحية. بل سبقها وآمن به الشعب اليهودي. والدليل على ذلك هو “الصلاة من أجل الموتى”. لا يحتاجُ الميِّتُ الى الصلاة، وهي إغاثة المعوزين، إن كان في السماء، ولا تنفعه إن كان في الجهنم (لو16: 26). ولكنَّ “عقيدة المطهر”، أى كجزء أساسي من الأيمان بحيث يجبُ الأيمان به، لك يتم إلا في القرن الثاني عشر الميلادي. وأعلنته الكنيسة الكاثوليكية ضد من أصبح ينكر هذه الحقيقة. وكانت الكنيسة آنذاك منقسمة. فلمْ تتبع بقية الكنائس غير الكاثوليكية هذه الخطوة. لكنها إستمَرَّت تُصَّلي من أجل الموتى، أي حافظت على إيمانها بوجود المطهر دون أن تجعلها عقيدةً مُلزِمة. ولمَّا آنقسمت البروتستانتية عن الكنيسة رفضت الأيمان بالمطهر، لأنَّ الخلاص بالنسبة اليها لا علاقة له بحياة الأنسان بل يقرره الله حسب مزاجه. ومنذ ذلك الحين إصطفَّ إلى جانبها أغلب غير الكاثوليك. وليس الأمرُ غريبًا. إذا كان غير الكاثوليك يرفضون توحيد عيد القيامة فهل يتساهلون في الأتفاق على موضوع مثل المطهر؟
المطهر والتطهير عن الخطايا!
خلط السائل الكريم بين أمرين: تطهير الخطايا، والتكفير عنها. من لم يتبُ عن خطيئته ويتخَّلص (يتطهر) منها قبل موته مصيره الهلاك مثل غنّي الأنجيل (لو16: 19-31). أما المطهر فهي حالة الخطأة الذين تابوا عن خطاياهم قبل الموت لكنهم لم يتوَّفقوا في التكفير عنها كليا، لم يُزيلوا كلَّ آثارها عن نفسهم، هؤلاء يُزيلون تلك الآثار قبل مواجهة قداسة الله وجها لوجه. وأكبر ضرر تلحقه الخطيئة بالأنسان هو فقدانه محبة الله. بالتوبة يرجع الواحد الى سواء السبيل ويحتاج الى تنقية ذاته من أنانيته وشهوانيته والخروج عن ذاته للعودة الى الله الأصل فيسمو في محبته. هذا يحتاج الى زمن “للتطهير” من مخلفات الخطيئة والتدريب في العيش في محبة الله والأتحاد به كليا. وعند البلوغ الى مستوى حب الله نفسه عندئذ تحيا المحبة للأبد.
أعطي مثالا لعله يُقربُ فكرة التطهير. صاحب سيارة. توَّسخت سيارته. لا يقدر أن يسير بها بعد في الشوارع. يرفض المجتمع أن يتجول الوسخ بينه. تندَّم السائق على تلطخ سيارته. أخذها الى الغسل والتشحيم. لن تدخل السيارة الى المِرآب قبل أن يدفع ثمن الغسل. دفع الثمن وقطع تذكرة الغسيل، تاب. فقط بعد الدفع وهو التوبة يقدر أن يغسل السيارة. هذا الغسل هو ثمرة القرار ودفع الثمن. القرار هو الندم على وسخ السيارة والدفع هو التوبة أي تنفيذ القرار. لكن هذا لا يكفي بل تحتاج السيارة الى الغسل بالماء والصابون. بعد هذا الغسل تقدر السيارة أن تجوب شوارع المدينة. هكذا الأنسان الخاطئ يتوب قبل الموت. ويتنقى، يتطهر، من آثار الخطيئة بتحمل الفرقة والبعد عن الله لفترة ثم يتمتع بالرؤية المجيدة في السماء. المطهر لا يغفر الخطايا. الغفران يتم قبله. المطهر يُهَّييءُ التائب، يُزَّينه فقط، بما يليق ويلزم للتمتع بالسعادة والمجد الأبديين مع الله.