الأعتراف لله مباشرةً!
القس بول ربان
أهلا وسهلا بالأخ سمير جرجيس
عَلَّق الأخ سمير على سر التوبة الذي سهى، مثل كل المؤمنين، في تسميته بسر الأعتراف.
وآدَّعى بأنَّ أحد أهم الأسباب قد يكون”عدم إمكانية تنسيق الوقت مع كاهن الرعية”. وسبب آخره وكثرة الناس التي تريد أن تعترف وهذا لا يتوازى مع وقت الكاهن. فآنتهى مثل عادة أغلب الناس الى إقتراح “الأعتراف لله مباشرة” وأضاف، أيضا كما يفعلُ كل الناس، “كما فعل غيرُنا في العهد القديم”!
السر يدعو الى التوبة!
أكَّررُ بأن الاعتراف هو المرحلة الأخيرة فقط من السر الذي دعاه الرب يسوع “سرَّ التوبة” عندما قال “توبوا” (متى4: 17)، وإن لم تتوبوا (لو13: 3و5). لا يريدُ الله أن نعترفَ كما نغسل أيدينا قبل الأكل هكذا نعترف قبل العيد. الأعتراف والتوبة ليست مرتبطة بالعيد، إنها مرتبطة بالحياة. يريد الرب أن نحفظ نفسَنا نقية طاهرة طول الحياة: “قلبًا نقيًا أُخلق فيَّ يا الله”؛ و”طوبى للنقية قلوبهم فإِنهم يعاينون الله”، ويريد الله أن نكون مثله قديسين. وعندما تتوسخ نفوسنا بالخطيئة يُذّكرنا بأن ننظفها سريعًا. لم يقل الله توبوا للعيد، في الميلاد أو في القيامة أو حتى في الباعوثة. بل توبوا تعني نقُّوا نفوسكم كليا ونهائيا من أفكار العالم وأمجاد الدنيا وشهوات القلب التي هي كلها مادية فتزول، وتحَّلوا عوضها بأفكار الله ومجده وخيره. وإذ يعرفُ الضعفَ البشري فهو لا يقاصصُ الخطأة بل يمنحهم فرصة الحياة والعودة إليه بالتوبة كي لا يهلكوا للأبد ويخسروا المجد والنعيم مع الله في السماء.
أما ارتباط الاعتراف بالعيد فالكنيسة طلبت في وصيتها ألا ننقطع عن تناول القربان ونحرم غذاء حياتنا الروحية فوصًّت أبناءَها بالتناول ” أقَّله مرة في السنة في الفصح”، أي أسبوع الآلام والقيامة. كما وّصَّت أيضا بالأعتراف أقله مرة في السنة لتنقية الذات من أوساخ الخطيئة. لم تُحَّدد في الفصح أو في غيره. بل نوت أن يتم ذلك عندما يكون الأنسان بأمَّس الحاجة الى تلك التنقية، في أي وقت كان من السنة. درجَ أنَّ الكهنة، تبعًا لآرشاد الكنيسة، حرَّضوا المؤمنين على التوبة أيضا مع تناول القربان أقله في الأعياد المارانية، فتعَّودَ الناس على التوبة والتناول للأعياد كأنهما جُزءان لا يتجزَّآن. خاصة وأنَّ ذلك يوفر عليهم عدم العودة الى المنبر وعلى قتل عصفورين بحجر. بل عصافير عديدة بحجر واحد: القداس والأعتراف والتناول وإيفاء العشر بوضع مبلغ من المال في الصينية لتبرئة الذمَّة وإتمام جميع الواجبات الكنسية جًرَّةً واحدة. وهل توجد حياة أحلى من هذا؟؟؟
عدم إمكانية التنسيق مع الوقت!
حجة الكسلان! قد يكون هذا صحيحا إذا حسبنا وقت الكاهن فقط “أيام العيد”، العيد يومان فقط. مع العيد الثاني أربعة أيام. أضف عليها يوم راحة. أما الكاهن فتبقى له 360 يوما لخدمة المؤمنين. ألا يقدر المؤمن أن يجد ساعة واحدة خلال تلك الأيام يلتقي فيها مع الكاهن ليعترف على راحته بكل ذنوبه. أما إن كان المؤمن لا يفكر بالأعتراف إلا يوم العيد فهو أصلا متوَّهم وغلطان. ولعلم المؤمنين الكرام إنَّ أغلبية الكهنة يُخَّصصون أياما تسبقُ العيد للأعترافات. لماذا لا يتعب المؤمن نفسه ويستغلُّ الفرصة للأعتراف؟
كثرة المعترفين!
حُجَّةٌ أُخرى واهية. أقله في البلاد الغربية. منذ سنين نخَّصصُ أوقاتًا مُحَّددة للأعترافات للعيد، تمـتَّدُ لعدة أيام. ومراتٍ عديدة أُعْلِنَتْ من فوق المنابر بأنَّ الكاهن مستعّدٌ لسماع الأعترافات، يكفي أن يتفقوا معه على الوقت. لا أحد كلَّفَ نفسه، إلا نادرًا جدًّا، وخابر الكاهن ليستقبله وحده بسّرية تامّة فيعترف عنده. وبالأعياد حصَل وجلبنا كاهنا غريبًا جلس.
في المنبر طوال القداس ولكن لم يعترف عنده غير نفر قليل. لا نضحك على أنفسنا بحجج واهية. حكوا: ” قال الكسلان لرفيقه المُهمِل: ما رأيُكَ غـدًا لا نذهب للعمل، نرتاح. أجابه المُهمِلُ: أضف إليها بعد الغد أيضًا”!
نفعل كما فعلوا في العهد القديم!
ليت السائل أعطى أمثلةً من الأعتراف في العهد القديم. أي أمثلة للتوبة بقياس المسيح. أم هل إنَّ الأخ الكريم لا يعترفُ برسالة المسيح ويريد أن نرجع الى عهد موسى وشريعته؟ لو كان عهد موسى كاملا، ولو كانت شريعته قادرة على الخلاص لماذا أتعب الله نفسه وتجَّسد وتألم؟ لو تابت البشرية على يد موسى وكان عهده مثاليًا لماذا أخبر موسى بمجيء المخَّلص الحقيقي وطلب من الشعب أن يسمعوا له؟ (تث18: 15؛ يو5: 46). لنقرأ معا ما قاله الكتاب: “لو كان العهد الأول لا غبار عليه لما فُسحَ في المجال لعهد آخر… يقول الرب: أقطع لبني إسرائيل” عهدا جديدا… وإذ يقول “عهدا جديدا” فقد جعل الله العهد الأول قديما. وكلُّ شيءٍ قَـدُمَ وشاخَ يُصبح قريبا من الفناء” (عب 8: 7-13). فلو كان الإعتراف والتوبة في العهد القديم صحيحة وبنَّاءة وكافية لما أوجد الله سبيلا جديدا للعلاقة معه ولضمان الخلاص.
وإذا قال الرب للرسل: “من غفرتم خطاياه تُغفَرُ له، ومن أمسكتم عليه الغفران يُمسكُ عليه”، وربط هكذا غفران الخطيئة بالاعتراف أمام الكاهن لا أمام الله مباشرة، ترى هل لم يكن يسوع يدري ما هو فاعل؟ وإذا كنا نحن البشر نتهَّربُ من التوبة هل بإمكاننا أن ندَّعي أنَّ رأينا أصَّحُ من تعليم المسيح؟ أم إننا نريدُ، مثل اليهود، مسيحًا وشريعة على ذوقنا ومزاجنا؟ يبقى أننا عندما نتوب نطلب الغفران من الله، وهو الذي يغفرُ لنا. لكننا إذ نتساهل كثيرا مع أنفسنا ونُبَّريءُ سريعا ساحتنا لا نقدر أن نحكم بعدل على أنفسنا ولا نقدر أن نضمن هل توبتنا صادقة أم قاصرة. أما الكنيسة فقادرة على ذلك وتمارس صلاحيتها، كما أمر الرب نفسه، بواسطة الأطباء الروحانيين، فيساعدوا الخطأة على توبة نصوح ويضمنوا لهم غفران الله.