لماذا “موسى وايليا” في التجَّلي؟
القس بـول ربــان
أهلا وسهلا بالأخ السائل
سأل أخٌ، كتم هويته، قائلا:” لماذا ظهر موسى وايليا مع المسيح، يوم تجَليه، وليس غيرُهما؟
• من هو موسى؟
يُدعى نبيًّا، ولا شكَّ في ذلك، لكنه لم يشتهر كنبي بقدر ما إشتهر كمؤسس لشعب الله المختار ومُنَّظمِه ومُزَّودِه بدستور، هو الشريعة (يو7: 19)، ليضمن له وحدة متماسكة على أساس ديني. هو كليمُ الله. يقول عنه الكتاب:” ولم يقم من بعدُ نبيٌّ في إسرائيل كموسى الذي عرفه الربُ وجهًا إلى وجه” (تث34: 10)، لذا وضعوا فيه كلَّ رجائهم (يو5: 45). وآعتبروه “رئيسا ومخَّلصا (أع7: 35-38)، وكانوا له تلاميذ لأنه نقل إليهم كلام الله (يو 9: 28-29). وهو صورة المسيح لنقل كلام الله: “سأقيمُ لهم نبيًا من بين إخوتهم مثلك، وألقي كلامي في فمه، فينقل إليهم جميع ما أُكَّلمه به” (تث 18:18). وأكَّد يسوع أنه عنه تحَّدث (يو5: 46). كان موسى وسيطا بين الله والشعب (خر20: 19). أما يسوع فهو ينقل الينا كلام الله مباشرة دون وسيط (يو8: 26-28؛ 12: 49-50).
• من هو إيليا؟
إن كنا نعرفُ عن موسى ولادته وسيرة حياته إلا إننا لا نعرفُ كثيرا عن إيليا. لقد ظهر فجأة دون مقدمات وسيختفي كذلك دون تفسير. أهم شيءٍ نعرفه عنه أنه زاهدٌ شبه صعلوك (2مل1: 8)، لكنه محاربٌ عن الحق لا يخاف ولا يكل. وإن أردنا أن نرسم له صورة في ذهننا يكفي أن نقرأ عن يوحنا المعمدان فنتعَّرف على إيليا. لأنَّ يوحنا صورةٌ لايليا المنتظر (متى 11: 14)، إذ تمثَّل به في اللبس (متى3: 4)، وسار أمام الله بروحه وقوته (لو1: 17). إقترن اسم إيليا بالقحط الذي جلبه على بني إسرائيل بإيقاف المطر ثلاث سنوات ونصف السنة (1مل17: 1؛ 18: 1؛ يع5: 17-18) قصاصا لآحاب الملك والشعب الجاحدين لله. يبدو واحدا من مئات الأنبياء (1مل18: 4، 13) لكنه الأكثر غيرة على مجد الله وحقوقه. حتى قالت عنه الأرملة التي حوته كلَّ سني القحط وأقام إبنها من الموت ” أنت رجلُ الله، وإنَّ كلام الرب في فمك صادقٌ حَّقا ” (1مل17: 16-24). إيليا وحده ظلَّ أمينا لله (1مل 18: 22)، فدافع عن الحق ضد ملك ” فعل الشر أمام الرب أكثر من جميع من تقدَّمه” (1 مل16: 30) وقضى على كل أنبياء البعل الكذبة مُخاطرًا بحياته (1مل19: 2، 10)، وقد سمَّاه تلميذه اليشع بعد اختفائه، “حامي حمى إسرائيل “(2مل2: 12). وكان اعتقاد الشعب عن يسوع أنه إيليا قد عاد الى الحياة ” ليهيئ الطريق لله، او يوحنا” (متى16: 14؛ مر8: 28؛ لو9: 19).
• موسى وايليا والتجَّلي!
موسى أبو الشريعة وايليا رمز النُـبُّوة ظَهَرا بجانب يسوع ” يخاطبانه”، وكأني بكل واحد منهما يقول: لقد أديتُ مهمتي التي كلفتني بها وهيَّأتُ شعبًا يعرفك ويُحّبكَ، ولو بشكل ناقص، إنما ثبُتَ وجودُك وصمدت وصاياك وقد انتهت عبادة الأصنام وحان الزمان لتستلم أنت قيادة البشرية كلها لأنك أنت الذي وعد به الآب، وأنت الذي سترسي أسس مملكة الله على الأرض. وقد استشهد يسوع مرارًا بدور الشريعة والأنبياء” (متى 7: 12؛ 22: 37-39).
قال بأنه جاء ليكَّملَ ” كلام الشريعة والأنبياء” (متى5: 17)، وكل ما حدث له تم تحقيقا للنبوات (متى26: 56؛ لو24: 44). فيكون حضور موسى وايليا دليلا على أهمية دور الشريعة والنبوة في التحضير لمجيء المسيح المخَّلص، وبنفس الوقت تأكيدًا على انتهاء هذا
الدور بحضور صاحب الوجود والضمير نفسه،” الذي بيده المذرى وينَّقي بيدره” (لو3: 17؛ متى3: 12). يسوع هو مركز التأريخ ومصدر الحياة، وبيده خلاصُ البشرية، هو ملءُ الزمن ومعه وبه تتطهر الخليقة وتتجَّدد. فهو” الأبن الحبيب الذي ارتضى به الله، وله يجب أن يسمع المؤمنون”، لا لموسى ولا لايليا. الشريعة والنبوة قادتا الى المسيح. ومع مجيء المسيح يبدأ عهد جديد. انتهى عهد الحرف والعنف ليبدأ مع المسيح عهد الروح، عهد الحب واللطف. ومن الممكن أن تكون نبوءة زكريا عن الزيتونتين على المنارة داخل الهيكل، وهي تعني مبدئيا رئيس الكهنة والحاكم زربابل اللذين عملا في إعادة بناء الهيكل بعد العودة من السبي، تشير الى موسى وايليا اللذين ” اختارهما الرب ليخدماه هو ربُّ الأرض كلها” (زك4: 3، 11-14)، فظهرا بجانب يسوع الذي هو نور الحق الذي يضيءُ لكل انسان (يو1: 9).