الاحد الاول من الصوم / المؤمن ينتصر على التجربة بعماده
الاحد الاول من الصوم
المؤمن ينتصر على التجربة بعماده
قراءات هذا الأحد الأول من الصوم تدعونا نحن المؤمنين ابناء الله، الى الثبات على الأمانة ازاء التجارب، على مثال يسوع الذي انتصر على ابليس منذ عماده.
اشعيا 58/ 1-14
هذه القراءة من اشعيا، هي على وجه التحديد مناظرة بين الله وأولئك الذين يشتكون من أن الله لا يستمع إلى صلواتهم وتكفيرهم وصومهم. يقول الرب: صومكم صوم مصطنع، وليس صوم حق، بل صوم شكلي. لقد صاموا فقط للامتثال لقوانين معينة. هم يتذمرون لأن صومهم لم يكن فعالاً ويقولون: “نصوم ولا تنظر، ونتضع وأنت لا تلاحظ”. يجيب الرب: “في يوم صومكم، تجدون ملذاتكم، وتسخرون جميع عمالكم. للمشاجرة والخصومة تصومون، وللضرب بقبضة الشر”. من ناحية، يصومون ويكفِّرون عن الذنب، ومن ناحية أخرى يقومون بالظلم. هؤلاء الناس اعتقدوا أن الصوم هو إلى حد ما احتيال وخداع القلب: أنا بار فلماذا أصوم. إنها الشكوى التي قدمها إلى يسوع تلاميذ يوحنا – الذين كانوا صالحين – والفريسيين: أنا بار، أخدع قلبي وبعد ذلك أحتال، وأستغل الناس. اذن، موضوع هذا النص هو الصوم الحقيقي. طلبت الجماعة طريقا من أجل لقاء حقيقي بالله، فذكرها النبي، كما فعل نحميا بمتطلبات العدالة. فبدون هذه العدالة، كل صوم وكل ممارسة دينية مهما كان فيها من الورع، تصبح مشوهة ولا يمكن أن ترضي الله، فطرق الله التي رسمها والتي عليها يسير المؤمن تعمل بالعدل. فيأتي هنا انتقاد الأنبياء لحياة تنحصر في ممارسات دينية لا نضع قلوبنا فيها. ما يقوله النبي عن الصوم: أن نبتعد عن البحث الجشع عن الربح. ويشجب اشعيا خطايا الذين يقومون ببعض الممارسات، وينتظرون من الرب مباركات سريعة. ولكن عطايا الرب تأخرت، لهذا احتجوا. فلا بد من تنبيههم. يبدو لهم أن الرب لا ينظر الى ما يمارسه الشعب من ممارسات مؤلمة، ولا يفعل شيئا من أجل تحسين أحوالهم. والسؤال المطروح: لماذا لا يقبل صومهم. فياتي جواب الرب: ما قيمة صوم لا ترافقه العدالة والمحبة؟
أفسس 4/ 17-32
هذا النص يعود الى القسم الثاني من الرسالة (الفصول 4-6) والذي يندرج تحت عنوان ارشاد للمعمدين. هنا عظة تتركز على التعليم الاخلاقي في الجماعة الاولى. يواصل بولس ما دعا اليه في بداية هذا الفصل الرابع، وهو الوحدة والنضوج والالتزام بالحياة الجديدة بعيدا عن الزنى والفجور، حاثا المسيحيين الى توبة متواصلة بدأت في المعمودية: يتخلون عن حياة مركزة على الأنانية ليحيوا حياة الله المليئة بالبر والسخاء، فينتقلون من الانتقام الى الغفران، من السرقة الى العمل الذي يتيح لهم أن يشركوا الآخرين في ما يملكون، ومن العدوانية الى الاتفاق المتبادل. على المؤمنين أن يتميزوا عن الوثنيين، أن يكونوا في النور لا في الظلام. هكذا يدعونا بولس هنا الى نبذ السيرة القديمة والالتزام بسيرة جديدة، أي أن نلبس المسيح.
متى 4/ 1-11
يروي لنا متى تجارب يسوع وغايته أن تفيدنا هذا الرواية عن معنى تلك التجارب المختلفة وموقف يسوع منها. التجربة الاولى، هي تجربة صون الذات. يسوع يجيب بكلمة من سفر تثنية الاشتراع 8/ 3 “ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله”. يسوع يرفض أن يطلب ضمانه ومصلحته وارضاء حاجاته الحياتية. انما يستسلم تماما لله موكله الوحيد. كل كلمة هي وعد من فم الله. الله وعد، وهو أمين. التجربة الثانية، هي تجربة الشرف والشهرة. هل يلقي بنفسه من شرفة الهيكل ويطلب من الله آية عجيبة حماية له وتأييدا؟ مرة أخرى يجيب يسوع بكلمة من سفر التثنية 6/ 16 “لا تجرب الرب الهك”. يرفض اذن أن يعتمد على تدخل الهي عجيب للحصول على الشرف والشهوة. التجربة الثالثة، هي تجربة السلطة والملك، بل تجربة التنازل عن موكله الوحيد وعبادة الشيطان. مرة ثالثة يجيب يسوع بكلمة من سفر التثنية 6/ 13 “للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد”. يرفض اذن أن يجحد الهه وموكله. متى يقدم يسوع كموسى جديد، أجوبته من سفر التثنية، والالحاح في صوم يسوع خلال 40 يوما و40 ليلة مثل موسى في جبل سيناء خر 34/ 28، تث 9/ 9 و 18. والالحاح في “الجبل العالي جدا” الذي يذكر ب تث 34/ 1-9، موسى على جبل نبو يرى أرض الميعاد كلها. يسوع يبدو كموسى جديد وأكبر منه. في هذه المشاهد ترسم صورة لبرنامج حياة يسوع، أي كفاحه ضد الشر وتفانيه لرسالته المشيحية بانكار الذات وطاعته لله موكله الاوحد. لهذا السبب تملك هذه التجارب معنى مشيحيا كريستولوجيا، هي امتحان يسوع على هويته ورسالته كمشيح ابن الله. المجرب يريد أن يؤدي بيسوع الى التنازل من رسالته الالهية كعبد مطيع وابن الله (ليتبنى مشيحية سياسية أرضية وفقا لابتغاءآت شعبه). ولكن يسوع الرسول المختار يبقى أمينا لرسالته: لا ينحني الا أمام الله ولا ينقاد الا لمشيئة الله (وليس لأفكار البشر). في بداية هذا الصوم الكبير تجعل أمام عيوننا صورة يسوع ابن الله وعبده الحقيقي، الذي لا يريد أن يصون ذاته، انما يعيش من كل كلمة تخرج من فم الله. والكلمة الأولى هي: أحبب الرب الهك من كل قلبك.. وقريبك كنفسك. ولا يفصل اتكاله على الله عن طاعته لله: القيام بالواجب، أيضا بدون نجاح ظاهر، فالله يعلمه. وفوق كل شيء: يسوع يعبد الله وحده بحرية كاملة، هكذا يقدر أن يخدم الناس كل الناس بحرية كاملة.
يقول أفراهاط الحكيم الفارسي في حديثه عن الصوم: “تذكر … كم هي غنية رغبة الانسان الذي ينقي قلبه ويحفظ لسانه، ويمنع يديه من فعل الاثم … لا يليق بالانسان أن يمزج العسل بالمرارة. اذا صام عن الخبز والماء، فلا ينبغي أن يمزج بصومه التجاديف واللعنات… عندما يصوم الانسان عن السيئات، ويأخذ جسد المسيح ودمه، عليه أن يحافظ بكل عناية على فمه الذي به يدخل ابن الملك. لا يحق لك أن تخرج من فمك الكلمات المشينة. اسمع ما يقوله واهب الحياة: “ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجس الانسان” (في الصوم، 2).