الأحد السابع من الصوم “عيد السعانين”
الأب زيد حبّابه
النص الكتابي
“ولما خرج يسوع من إريحا تبعه جمع كثير، وإذا أعميان جالسان على قارعة الطريق فلما سمعا أن يسوع مجتاز صرخا قائلين: ارحمنا يا رب يا ابن داود. فنهرهما الجموع ليسكتا فازدادا صراخاً قائلين: يا رب ارحمنا يا ابن داود. فوقف يسوع ودعاهما وقال: ماذا تريدان أن أصنع لكما؟ قالا له: يا رب أن تفتح أعيننا. فترأف عليهما يسوع ولمس أعينهما وللوقت انفتحت أعينهما وتبعاه. ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي بجانب جبل الزيتون أرسل يسوع اثنين من تلاميذه، وقال لهما: اذهبا إلى هذه القرية التي أمامكما وللوقت تجدان اتانًا مربوطة وجحشًا معها فحلاهما وآتياني بهما، فإن قال لكما أحد شيئًا فقولا له: الرب محتاج إليهما، فللوقت يرسلهما إلى ههنا، هذا كله كان ليتم ما قيل بالنبي القائل، قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك متواضعًا راكبًا على أتان وجحش ابن أتان. فانطلق التلميذان وصنعا كما أمرهما يسوع. وأتيا بالأتان والجحش ووضعا ثيابهما على الجحش وركبه يسوع. وكان كثير من الجموع يفرشون ثيابهم في الطريق وكان آخرون يقطعون اغصانًا من الشجر ويطرحونها في الطريق، وكان الجموع الذين يتقدمونه ويتبعونه يصرخون قائلين: اوشعنا لإبن داود مبارك الآتي باسم الرب، اوشعنا في الأعالي، ولما دخل إلى اورشليم ارتجت المدينة كلها قائلين: من هو هذا. فقالت الجموع: هذا هو يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل، ودخل يسوع هيكل الله وأخرج جميع الذين يشترون ويبيعون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. وقال لهم مكتوب: ان بيتي بيت صلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص. وقدموا إليه في الهيكل عميانًا وعرجًا فشفاهم”. (متى 20 / 29- 21/ 14)
يصف لنا مار متى دخول يسوع الى أورشليم بموكب النصر للمسيح الملك الذي يدخل مدينته، ويأتي هذا الدخول مباشرة بعد أن شفى الأعميين في اريحا، وهذه آخر معجزة صنعها يسوع وتعبِّر عن كل معجزاته، كونه جعل الإنسان الأعمى يُبصر نور الله المُشع من وداعة المسيح وطيبته الذي يسير نحو تكميل رسالته الخلاصية في أورشليم.
بعد هذه المسيرة الطويلة من زمن الصوم الكبير التي ساعدنا فيها طقسنا لإتباع يسوع، نصل اليوم إلى الأحد السابع والأخير من هذا الزمن وبه نحتفل بعيد السعانين، أي بدخول يسوع الى أورشليم، وبه ندخل الى اسبوع الآلام (الاسبوع المقدس) وهو أهم اسبوع في السنة الطقسية حيث سيقدِّم يسوع حياته لأجل خلاصنا.
ان شفاء الأعميين وتباعتهما ليسوع لها معنى عميق هو أننا لا نستطيع إتباع يسوع والدخول معه الى أورشليم ان لم تكن لنا نعمة البَصيرة- الإستنارة (الإيمان) كي نقدر أن نرى نور الله والمجد المنكشف بيسوع المسيح والاشتراك بموته وقيامته. لهذا السبب تقرأ كنيستنا اليوم نص شفاء الأعميين مع النص الذي يخبرنا عن دخول يسوع الى اورشليم.
عندما دخل يسوع إلى اورشليم استقبله الشعب بالفرح والهتاف “اوشعنا” أي (خلصّنا)؛ لأنهم كانوا ينتظرون مسيحاً يخلّصهم من سيطرة أعدائهم الرومان، أرادوا خلاصاً زمنياً مؤقتاً من الممكن أن يحققه الانسان إن شاء ذلك؛ لكن يسوع يريد أن يخلّصنا من سيطرة أعداء آخرين، يريد أن يخلّصنا من كبريائنا ومن لامبالاتنا، ومن قساوة قلوبنا، يريد أن يخلّصنا من أنانيتنا وعدم شعورنا بالآخرين؛ لكي نحبهم كما أحبّنا هو، ونتضامن معهم.
اليوم أن أردنا مرافقة يسوع في دخوله الى أورشليم لا يكفي أن نكون حاملين أغصان الزيتون ومرنمين تراتيل السعانين، إنما علينا أن نغيّر قلوبنا بحيث تكون مشابهة لقلبه، نحاول أن نتواضع كالمسيح المتواضع في خدمة القريب. إن اشتراكنا الفعلي اليوم بعيد السعانين يحدده إيمانُنا، فإن كُنّا نؤمن بتدبير الله الخلاصي الذي حققه لنا بيسوع المسيح، عندها سنشعر بفرحة السعانين وبهجة الترانيم، وبدخول يسوع أورشليم، سيدخل أيضاً مُدُنَنا وبيوتَنا وقلوبَنا، قلب كلّ منّا، يدخل لكي ينظفها، كما نظف الهيكل، كي تكون لائقة لحضور الله. فهل نحن مستعدون أن نفتح قلوبنا له ونفرشها بثياب إيماننا ورجائنا ومحبتنا كي يدخل اليها؟
يا رب، لقد صرخ الأعميان: “ارحمنا يا رب يا ابن داود”، نحن أيضاً نصرخ معهما اليوم طالبين أن ترحمنا وتشفينا من عمى قلوبنا فنتمكن من رؤية نورك وإتباعك والعمل بمشيئتك؛ فنصبح كأغصان الزيتون التي نحملها اليوم في أيدينا، علامة سلام ومحبة لكل مَن نلتقيه.