الأحد الخامس من الصوم “إن كان أحد عطشان فليأتي اليّ ويشرب”
الأب زيد حبّابه
النص الإنجيلي:
“وفي اليوم الأخير العظيم من العيد، كان يسوع واقفًا ينادي ويقول : إن كان أحد عطشان فليأت إلي ويشرب. كل من يؤمن بي، فكما قالت الكتب، ستجري من بطنه أنهار ماء الحياة. إنما قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، إذ لم يكن الروح قد أعطي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد. وكان كثيرون من الجمع الذين سمعوا أقواله يقولون: إن هذا في الحقيقة هو النبي. وكان آخرون يقولون هذا هو المسيح. وقال آخرون: ألعلَ المسيح من الجليل يأتي. ألم يَقل الكتاب: إنه من نسل داود ومن بيت لحم قرية داود يأتي المسيح. فوقع شقاق بين الجمع من أجله. وكان أناس منهم يريدون أن يمسكوه ولكن لم يلقِ أحدٌ عليه يدًا”. (يوحنا 7/37-44)
“إن كان أحد عطشان فليأتي إليّ ويشرب” قال يسوع هذا الكلام في اليوم الأخير من العيد في الهيكل، لنرى ما هو هذا العيد وماذا كان يجري في الهيكل.
العيد هو عيد المظال ويعتبر من الأعياد اليهودية الكبرى والتي توجب على كل يهودي بالغ وقريب من أورشليم أن يشارك به.
ولهذا العيد معنى تأريخي واسمه مأخوذ من المظلة حيث كان اليهود يتركون مساكنهم ويعيشون في مظال مصنوعة من أغصان الأشجار، وتُحمَل المظال في الشوارع وفي الهيكل متذكرين، بهذا العيد، أنهم كانوا غرباء مشردين بلا سقف يغطيهم، عندما أخرجهم الرب من مصر وعاشوا في البرية. كما جاء في سفر اللاويين (23/39-44).
فكان هدف العيد إذن، تذكيراً للشعب بأنهم كانوا تائهين والرب أوصلهم إلى أرض الأمان أرض الميعاد. فهم من جيل إلى جيل يصنعون العيد ويشكرون الله لأجل خلاصهم؛ وكان هناك طقس للإحتفال بهذا العيد في الهيكل، حيث يطوفون في الهيكل وحول المذبح مع الأغصان وسعف النخيل لمدة سبعة أيام ويقوم أحد الكهنة بصب الماء على المذبح وهذا الماء يذكرهم بالماء المتفجّر من الصخرة في البرية، اي علامة اعتناء الله بهم وحضوره معهم. حيث يتنبأ زكريا بمياه جارية من اورشليم (الفصل13)، والنبي حزقيال رأى مياهًا تنبع من الصخرة تحت الهيكل (الفصل43). كل هذه النبؤات تشير إلى كشف الله وحضوره الله وسط شعبه من خلال المياه، لأن الماء هو حياة، والله يعطي الحياة لشعبه.
وفي اليوم الأخير من الاحتفال بهذا العيد، ينادي يسوع في الهيكل ويقول: “إن كان أحد عطشان فليأتي إليّ ويشرب”، فيسوع بكلامه هذا يضع نفسه عوض الهيكل الذي منه تتدفق المياه، وعوض الصخرة التي منها يخرج الماء أي (رمز الكشف الإلهي) أي أن يسوع نفسه هو كاشف سر الله، وفي انجيل يوحنا يقول يسوع: “من رآني فقد رأى الآب” (يوحنا14/9). وعند موته عل الصليب سيسلّم الروح، ويطعنه أحد الجند فيخرج للوقت دمٌ وماء (يوحنا19/34)، فالماء الحي هو الإيمان المعاش في واقع الحياة، والروح الذي يعطيه يسوع لكل من يؤمن به، خرج من بطنه بشكل ماء على الصليب ساعة تمجيده. هذا الروح (الماء) هو حياة لكل من يؤمن بيسوع، لا بل تجري من بطنه انهار ماء حي.
يدعونا يسوع اليوم إلى الشرب منه أي من حياته، كلامه، اعماله، إنسانيته. لأن يسوع بحياته وحبه كشف للناس مَن هو الله، وبنفس الوقت كان يسوع هو نموذج الإنسان الذي يريده الله، فكل من يقبل إلى يسوع ويشرب من تعاليمه سيستطيع بدوره أن يمنح الحياة للآخرين مثل الماء الذي يروي.
كوننا مؤمنين بيسوع المسيح علينا أن نعكس هذا بسلوكنا وحياتنا وأخلاقنا، بكلامنا الطيب وتعاملنا اللطيف، بتواضعنا، برحمتنا، أي أن نجعل أجسادنا ذبيحة حية، مقدسة مرضية، خدومة كما ذكر مار بولس في رسالته إلى روما، عندها سنكون انهار حياة للآخرين، فعندما يشرب الناس من النهر، يعرفون أن هناك ينبوعا وهو يسوع المسيح، أمين.