الأحد الرابع من الصوم “مثل الكرّامين القتلة”
الأب زيد حبّابه
النص الإنجيلي:
“إِسمَعوا مَثَلاً آخَر: غَرَسَ رَبُّ بَيتٍ كَرْماً فَسيَّجَه، وحفَرَ فيه مَعصَرَةً وبَنى بُرجاً، وآجَرَه بَعضَ الكرَّامين ثُمَّ سافَر. فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خَدمَه إِلى الكَرَّامينَ، لِيَأخُذوا ثَمَرَه. فأَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه فضرَبوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه ورَجَموا الآخَر. فأَرسَلَ أَيضاً خَدَماً آخَرينَ أَكثرَ عَدداً مِنَ الأَوَّلينَ، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك. فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ وقال: ((سيَهابونَ، ابْني)). فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض:( (هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه)). فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه. فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْمِ بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟)) قالوا له: ((يُهلِكُ هؤُلاءِ الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرْمَ كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه)). قالَ لَهم يسوع: ((أَما قَرأتُم قَطُّ في الكُتُب: ((الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. من عِندِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا)).43لِذلكَ أَقولُ لَكم: ((إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه. مَن وَقَعَ على هذا الحَجَرِ تَهَشَّم، ومَن وَقَعَ عَلَيه هذا الحَجَرُ حَطَّمَه)). فَلَمَّا سَمِعَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ أَمثالَه، أَدرَكوا أَنَّه يُعَرِّضُ بِهِم في كلامِه فحاولوا أَن يُمسِكوه، وَلكِنَّهم خافوا الجُموعَ لأَنَّها كانت تَعُدُّه نَبِيّاً” (متى21/33-46 ).
نصل في هذا الأحد الى منتصف مسيرتنا نحو الفصح حيث تحاول أُمّنا الكنيسة ومن خلال قراءات هذا الاحد أن تذكرنا بتاريخ الخلاص ومحبة الله للإنسان وما هي مسؤولية الانسان وموقفه امام هذه المحبة.
يأتي هذا المثل في نهاية الفصل 21 من إنجيل متى، ومن الملاحظ انه موجد ايضاً في إنجيل (مرقس12/1-12) و(لوقا20/9-19) وقد استقى يسوع مثله هذا من نشيد الكرم في (اشعيا5/1-7)
يعود يسوع الى الهيكل لكي يعلن من خلال الأمثال، ملكوت السماوات، والنص الذي سمعناه “مثل الكراميين القتلة” هو المثل الثاني بعد مثل الابنين، بالحقيقة هذا المثل هو تشبيه موجه الى الرؤساء والكهنة وشيوخ الشعب الذين جاءوا لكي يحرجوا يسوع ويسألونه عن أصل سلطته ومن الذي اعطاه هذه السلطة.
يبدأ يسوع مثله بكلمة “اسمعوا” وهذه الكلمة قالها يسوع كثيراً وسبق وكررها قبله، مرات عديدة، موسى واشعيا والأنبياء، وهي دعوة للشعب لكي ينصت بانتباه إلى كلام الرب ويقبله في قلبه فيدخل في علاقة عهد معه، ويحقق مشيئة الرب في حياته.
ربَّ بيت: هو الله والكرم هو الإنسان، الشعب الذي اختاره الله في العهد القديم، ويشير الكرم ايضاً الى ملكوت الله في العهد الجديد، أما السور فهو للحماية ويشير الى العناية الإلهية واهتمام الله بشعبه ورعايته له، أما البرج فهو يوضع عادة للمراقبة وحراسة الكرم ويشير هنا الى كلمات الله العشر (الوصايا) التي أعطاها الله للإنسان لكي تحرسه من الشر الذي يريد أن يقطع علاقته مع إلهه ومع قريبه، والمعصرة هي مكان العمل. إن سفر صاحب الكرم هو ليس ابتعاداً وتخلياً للكرم، وانما مسافة وفسحة لكي يعطي للكراميين (للإنسان) الحرية في العمل والابداع بسبب ثقته بهم. أما الخدام فيمثلون الأنبياء الذين أرسلهم تباعاً لكي يُبقي العلاقة بينه وبينهم، المشكلة هي أن الإنسان قتل أولائك الأنبياء كما جاء على لسان يسوع: “يا اورشليم يا اورشليم قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها” (متى23/37)، رغم كل هذا يرسل صاحب الكرم إبنه “يسوع المسيح” فكان مصيره الموت كمصير الخدام (الأنبياء) الذين أرسلهم من قبل.
كيف نفهم هذا المثل اليوم؟
يريد ربنا اليوم أن يسلِّم الكرم لنا جميعاً وهذا الكرم هو حياتنا وعائلتنا ومجتمعنا وعالمنا واخونا الإنسان، وكل منّا نحن المؤمنين له مسؤولية الحفاظ عليه (الكرم) والاعتناء به كأمانة. فالكرامون هم نحن الواجب علينا ان نقدِّم ثماراً، فما هي الثمار التي قدمناها له؟ للأسف أننا في أغلب الأحيان نصبح كالكرامين القتلة بقتلنا ابن صاحب الكرم دون وعي منّا، لأن القتل هو رفض للآخر (الله والقريب)، فعندما يرفض الإنسان محبة الله قاطعاً علاقته معه ومفضلاً العيش بمعزل عنه هنا قمة الخطيئة، ونحن نرفض الله عندما نرفض اخونا الإنسان ونقتل يسوع يومياً عندما نجرح اخونا الإنسان ولا نهتم بوجوده معنا وفي عالمنا: “كل ما فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الصغار فبي ايضاً فعلتموه” (متى25/40). علينا أن ندرك بأن ملكوت الله هو عطية مجانية من ربنا وأختارنا الله بسبب محبته لنا كي نعمل على بنائه ونموه، ولكن هذا لا يحدث إن جردنا الله منه وتصرفنا وكأننا أسياد عليه!