الأحد الثالث من الصوم “طلب أُم ابني زبدى”
الأب زيد حبّابه
النص الإنجيلي:
“وأَوشَكَ يسوعُ أَن يَصعَدَ إِلى أُورَشَليم، فَانفَرَدَ بالاثنَيْ عَشَر، وقالَ لَهم في الطَّريق: ((ها نَحنُ صاعِدونَ إِلى أُورَشَليم، فابنُ الإِنسانِ يُسلَمُ إِلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبة، فيَحكُمونَ عليه بِالموت ويُسلِمونَه إِلى الوَثنيِّين، لِيَسخَروا مِنهُ ويَجلدِوهُ ويَصلِبوه،وفي اليومِ الثَّالثِ يَقوم.فدَنَت إِليهِ أُمُّ ابنَي زَبَدى ومعَها ابناها، وسَجَدَت لَه تَسأَلُه حاجة. فقالَ لَها:((ماذا تُريدين؟)) قالت:((مُرْ أَن يَجلِسَ ابنايَ هذانِ أَحدُهما عن يَمينِكَ والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَلَكوتِكَ)). فأَجابَ يسوع: ((إِنَّكُما لا تَعلَمانِ ما تسأَلان: أَتستطيعانِ أَن تَشرَبا الكأَسَ الَّتي سَأَشرَبُها؟)) قالا لَه:((نَستَطيع)). فقالَ لَهما:((أَمَّا كَأَسي فسَوفَ تَشرَبانِها، وأَمَّا الجُلوسُ عن يَميني وعن شِمالي، فلَيسَ لي أَن أَمنَحَه، بل هو لِلَّذِينَ أَعدَّه لَهم أَبي)) وسَمِعَ العَشَرَةُ ذلكَ الكلام فاسْتاؤُوا مِنَ الأَخَوَين. فدَعاهُم يسوعُ إِليهِ وقالَ لَهم:((تَعلَمونَ أَنَّ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتسلَّطونَ علَيها. فلا يَكُنْ هذا فيكُم، بل مَن أَرادَ أَن يكونَ كبيراً فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم خادِماً. ومَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم عَبداً: هكذا ابنُ الإِنسانِ لم يأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفسِه جَماعَةَ النَّاس”.(متى 20/17-28)
يتضمن هذا النص ثلاثة نقاط: الإعلان الثالث عن الآلام، طلب أم ابني زبدى، ونقاش التلاميذ حول المركز الأول.
النقطة الأولى: يسوع سائر نحو أورشليم أي نحو الصليب ويخبر تلاميذه للمرة الثالثة عما سيواجهه هناك من ألم وموت، يريد يسوع بقوله هذا أن يختبر تلاميذه عن مدى استعدادهم لتباعته ويهيأهم كي لا يتفاجأوا من المرحلة القامة فالرسالة فيها ألم وموت، لكن هناك القيامة في اليوم الثالث.
النقطة الثانية: رغم كل هذه الفترة التي قضاها التلاميذ مع يسوع، ورغم إعلانه الثالث عن موته، يبدو أن التلاميذ لم يفهموا بعد دعوتهم بصورة صحيحة، فتتقدم أُم يعقوب ويوحنا طالبة منه امتيازاً لإبنيها لأنها، بحسب التقليد، كانت من أقارب مريم أم يسوع، ولأن ابنيها كانا من التلاميذ الأولين الذين تبعوا يسوع، “فتركا السفينة وأبيهما زبدى وتبعاه” (متى4/21-22)، لهذا ضنت الأم بأن لها الحق في أن تطلب هذا الإمتياز. يجبهم يسوع بحزم: “أنتما لا تعلمان ما تطلبان” ويسأل عما إذا كانا قادرين على شرب الكأس التي يشربها هو وما إذا كانا مستعدين لتلقي المعمودية التي سيحصل عليها. إنها كأس الألم، معمودية الدم! يريد يسوع بسؤاله أن يذكرهم بأن الملكوت هو درب آلام وصليب وموت انه بذل حياة. ورغم ان اجابتهم كانت: “نستطيع!” لكنهم بعد ايام قليلة “سيتركوه ويهربون جميعهم” (مرقس14/50).
النقطة الثالثة: يبدو أن طلب أم يعقوب ويوحنا قد أثار ضجة عند بقية التلاميذ! فواضح من استيائهم لسماع هذا الطلب أن لهم التفكير عينه في البحث عن المناصب ومكانة الشرف كإمتياز لهم كونهم تبعوا يسوع. فيدعوهم يسوع ويتكلم معهم عن مفهوم السلطة والامتيازات والاستحقاقات، فهي عكس ما يتصور العالم، ويوصيهم أن لا يكونوا مثل العالم. فيسوع يقلب الموازين ويعكس الأمور فالكبير هو ذلك الصغير المتواضع المحب الذي يخدم دون ان ينتظر شكر أو تقدير او مكافأة.
في الأحد الأول من زمن الصوم تأملنا في نص تجارب يسوع في البرية وإحدى هذه التجارب كانت تجربة السلطة والعظمة التي حاول ابليس ايقاع يسوع بها، وانجيل اليوم يركز على هذه التجربة التي واجهة تلاميذ يسوع وواجهة الجماعة المسيحية الأولى التي يكتب مار متى إنجيله لها؛ وهذه التجربة تواجهنا نحن أيضاً اليوم في حياتنا ومجتمعنا وفي داخل كنائسنا! متصورين ومنخدعين بأن عظمتنا وقيمتنا تكمن بالمنصب والمال والقوة، بينما العظمة التي يعلمها لنا يسوع هي في الخدمة والتواضع فهذه دعوة لنا ونحن في زمن الصوم والتوبة، لكي نغير نظرتنا وأفكارنا ونجعلها مطابقة لأفكار يسوع. متذكرين أن المنصب، وإن كان كبيراً، والسُلطة التي يمنحها لنا ذلك المنصب ليسا هما لسحق إخوتنا والسيطرة عليهم وسلب حريتهم! وانما لخدمتهم بمحبة متفانية ومضحيّة حتى بذل الذات كالمعلم. هكذا فقط يتحقق كلام يسوع: الكبير هو من يخدم الناس، والأول هو من كان عبداً لهم. فلنصلي ونطلب من الله ان يعطينا روح التواضع لكي نستطيع ان نخدم اخوتنا البشر كما قال يسوع وفعل: “ما جئت لأُخدَم بل لأَخدُم.