الأحد الثاني من الصوم “الأنبياء الكذبة”
الأب زيد حبابه
النص الكتابي:
“إِيَّاكُم والأَنبِياءَ الكَذَّابين، فإِنَّهم يَأتونَكُم في لِباسِ الخِراف، وهُم في باطِنِهِم ذِئابٌ خاطِفة. من ثِمارِهم تَعرِفونَهم. أَيُجْنى مِنَ الشَّوْكِ عِنَبٌ أَو مِنَ العُلَّيْقِ تين؟ كذَلِكَ كُلُّ شَجَرةٍ طَيِّبَةٍ تُثمرُ ثِماراً طَيِّبَة، والشَّجَرَةُ الخَبيثَةُ تُثمِرُ ثِماراً خَبيثة. فلَيسَ لِلشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ أَن تُثمِرَ ثِماراً خَبيثة، ولا لِلشَّجَرةِ الخَبيثَةِ أَن تُثمِرَ ثِماراً طَيِّبَة. وكُلُّ شَجَرةٍ لاتُثمِرُ ثَمَراً طَيِّباً تُقطَعُ وتُلْقى في النَّار. فمِن ثِمارِهِم تَعرِفونَهم. لَيسَ مَن يَقولُ لي يا ربّ، يا ربّ يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات.” (متى 7/15-23)
يقع هذا النص في نهاية الفصل السابع من انجيل متى، في ختام الموعظة على الجبل ويأتي كتطبيق عملي لها. لماذا يحذر يسوع من الأنبياء الكذبة؟ ومن هم هؤلاء الأنبياء؟ وكيف يقدر المؤمن أن يميزهم؟
النبي في الكتاب المقدس هو من يعلن حقيقة الله للأخرين وله دور في التعليم فهو شاهد لله وسط العالم من خلال عيشه كلمة الله.
كان في زمن يسوع أنبياء يبشرون الناس برسائل مدّعين انهم شاهدوا رؤى، كانت غايتهم ان يستميلوا الناس الى جماعاتهم ومن هذه الجماعات: الفريسيين، الاسينيين، الغيورين وغيرهم؛ وفي زمن كتابة الإنجيل كان هناك أنبياء يكرِزون بتعاليم مخالفة لتعليم جماعة متى، ولم يكن سهلاً أبداً على الجماعة ان تميز بينهم لأن كلامهم كان معسول ويجذبون الناس اليهم. هنا نفهم أهمية كلمات يسوع المحذرّة من الأنبياء الكذبة “احذروا من الأنبياء الكذبة”، إذاً ليس المقصود بالأنبياء الكذبة أولائك الذين يقولون كلاماً كاذباً وحسب، انما من يقولون اشياءً قد تكون صحيحة ولكن لا يعملون بها. النبي الكاذب هو مَن لا يوجد انسجام بين أقواله وافعاله. فيشبههم يسوع بالذئاب لانهم يتنكرون بملابس الحملان ليخدعوا البسطاء من الناس ويخرجونهم من طريقهم الصحيح.
ولأجل التمييز بين الأنبياء الكذبة عن غيرهم من الأنبياء الصادقين، يقدم لنا يسوع طريقة وهي الثمار “فمن ثمارهم تعرفونهم” أي من نتائج أعمالهم، حيث يشبهها بالثمار الجيدة التي تنتجها الشجرة الصالحة بعكس الشجرة الرديئة التي لا تقدر أن تثمر ثمراً صالحاً. ويقدم يسوع مثلاً لنوعين من هذه الثمار: العنب والتين، أي محبة الله ومحبة القريب، هذه هي الثمار المرجوة من الشعب حيث ان شجرة العنب والتين ترمزان الى شعب الله المتوقع منه أن يثمر المحبة، فإن لم يثمر الشعب محبة لله وللقريب فهو نبي كاذب.
ينبهنا يسوع لكي لا نقع في شباك هؤلاء الأنبياء الكذبة، وفي الوقت عينه ينبهنا كي لا نكون نحن هؤلاء الأنبياء الكذبة لبعضنا البعض، لأن كل معمذ هو نبي في مجتمعه، وكل منّا لهُ رسالة في الحياة وهي أن يسمع كلمة الله ويعيشها بصدق وينقلها للأخرين محبة ورحمة، فإن لم نكن هكذا في عيش رسالتنا المسيحية بصدق وامانة سنقع في الازدواجية وعندها سنصبح كالأنبياء الكذبة الذين تكلم عنهم يسوع، وهذهِ هي الخطيئة عندما نعيش بعلاقات غير صافية مع ربنا ومع قريبنا.
اليوم نحن المعمذين ممكن أن نكون أنبياءً كذبة في وسط العالم عندما لا نعمل ما نقول أو عندما تكون أفعالنا خالية من محبة لله وللقريب. فان كانت ثمارنا سيئة ماذا نفعل؟ يجب ان لا نُحبط بسبب الشر، يقول يسوع: “كل شجرة لا تثمر ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار” وهذا يعني القضاء على ما هو شر في داخلنا، أي القيام بتوبة والتوبة تتطلب قطع الشر وحرقه. يتم قطع الشر عندما نتخذ قراراً ضده، أما حرقه فيتم بقوة المحبة، حيث نار المحبة هي التي تحرق الشر.
هذا ما نرجوه في مسيرة “الصوم الكبير”: أن نعيد النظر بموضوع ايماننا وعلاقاتنا مع الهنا، كي لا نسقط بخطر التدين الخالي من الايمان “ليس كل من يقول لي يا رب يا رب” وان نقوم بتصحيح المسار بحيث تكون أعمالنا مطابقة ومكملة لإيماننا فتكون ثمارنا ثمار محبة طيبة لله وللقريب، فنمّيز جيداً بين ما يقودنا الى الحياة والى الحب ويحقق صورة الله فينا، وبين ما يقودنا الى الهلاك ويبعدنا عن الله.