التلمذة والعماد باسم الثالـوث أم يسوع؟
القس بـول ربــان
أهلا وسهلا بالأخوة: عمار الملك ووقار سعيد
سأل الأخ عمار: لماذا قال الرب: “تلمِذوا جميع الأمم وعَّمدوهم”، ولم يقل: “عمدوهم أولا ثم تلمذوهم”؟ أما الأخت وقار فقالت: “لماذا قال الربُ يسوع: عمدوا بآسم الآب والأبن والروح القدس (متى28: 19)، في حين عمَّد الرسلُ بآسم يسوع (أع2: 38؛ 8: 16؛ 19: 5). هل الأثنان (الصيغتان) صحيحان؟
التلمـذة والعمــاد!
التلمذة تعني البشارة والمعرفة. أما العماد فيعني الأيمان والانتماء. حتى يؤمن المرء يجب أن يعرف أولا عن ماذا يدور الحديث. وحتى ينتمي الى شخص أو مبدأٍ يجب أن يقبله بعد أن عرفه وآرتاح اليه. هل يُعقل ويحدثُ أن يؤَّيدَ أحدٌ إنسانا لا يعرفه ولا إلتقى به ولا سمع عنه؟ العمادُ يعني قبولَ المسيح وتأييدَ مبادئه وقرارَ العيش بموجبها. بينما التلمذةُ تعني التعريفَ أولا بالمسيح، بشخصه في فكره وسلوكه، والوقوفَ أمام مفترقِ إختيار إتّباعه أو التغاضي عنه. لذا طلب يسوع من تلاميذه أن ينتشروا في العالم ويُبلّغوا إنجيله ليتعَّرفَ عليه كل الناس. وإذا تعَّرفوا عليه عندئذ يـأتي دورهم في الأختيار بين قبوله أورفضه. بشَّر الرسل، أينما ذهبوا وحَّلوا، أولا اليهود. ولم ينتقلوا الى الوثنيين إلا بعد رفضهم الأيمان بيسوع (أع13: 46). والذين صَدَّقوا كلام الرسل وآمنوا بالمسيح عمدوهم. لما سمع اليهود خطاب بطرس تأثروا به وآمنوا بيسوع فسـألوا ماذا عليهم أن يفعلوا. أشار عليهم بطرس بالعماد فآعتمدوا (أع2: 37-38). بولس سمع عن يسوع في صورة مشَّوَهة فقاوم الرسل وآضطهد المسيحيين. ولما إلتقى بيسوع على طريق دمشق وعرفه تغَّير موقفُه وقال له الرب: ” أُدخل المدينة فيُقالُ لكَ ما يجب عليك فعله”. ولما إستلمه حننيا حَدَّثه عن يسوع ثم عَمَّده (أع9: 1-19).
العماد بآسم الثالوث أم بآسم يسوع؟
كما لاحظت السائلة الكريمة أنَّ أعمالَ الرسل تذكر العماد بآسم الرب يسوع. في حين نقل الانجيل وصية الرب بالعماد بآسم الثالوث. يبدو أنَّ متى الأنجيلي ينقلُ لنا الصيغة الطقسية المستعملة أثناء العماد في حين تنقل لنا خطابات الرسل المبدأ الأيماني ألا هو العماد الذي أراده يسوع ” في الروح القدس والنار” كما قال متى نفسه (متى3: 11). ويبدو هذا التفسيرُ لا فقط مقبولا وإنما الأَصَّح. إنَّ المسيحيين الأوائل لم يُمَّيزوا كلهم، على ما يبدو، الفرق بين عماد يوحنا وعماد يسوع. وينقل لنا لوقا مشهدًا لا نتوَّقعُه. قال: “إلتقى بولس، في أفسس، بعض التلاميذ، فسألهم: هل نلتم الروح القدس حين آمنتم؟ قالوا: لا، بل إننا لم نسمع بوجود الروح القدس. فقال: فأيَّ معموديةٍ إذن إعتمذتم؟ قالوا: معمودية يوحنا. فقال بولس: عَمَّد يوحنا معمودية التوبة… وعند ذلك إعتمدوا بآسم الرب يسوع. ثم وضع بولس عليهم يديه فنزل عليهم الروح القدس” (أع19: 1-6). أي “عَمَّدَهم وثَبَّتهم” دون إعطاء التفاصيل عن ذكر الثالوث أو فقط ذكر اسم يسوع. إنما التركيز هنا واضحٌ على التمييز بين العمادين. وعليه نقدر أن نفهم أنه عندما ينقل سفر الأعمال خطابات الرسل لا يقصد بأنَّهم كانوا يُعَّمدون فقط بآسم يسوع. بل قصدَ بأنهم لم يتبعوا تقليد يوحنا فلم يُعَّمدوا “للتوبة”، بل تبعوا تعليم يسوع وعَمَّدوا “في الروح القدس والنار”، أي كما أراد المسيح وأوصى، وكما نالوا هم منه العماد (أع1: 5).