اللبسُ المحتَشِمُ داخل الكنيسة!
القس بـول ربــان
أهلا وسهلا بالأخت أرخـوان يوسف
كتبت الأخت أرخوان عن كثرة الحديث، في الآونة الأخيرة، في مواقع أجتماعية عن “الأحتشام في اللبس في الكنيسة والأماكن المقدسة وتضاربت الآراءُ وتناقضت. فسألت: ما رأيُكم في الموضوع؟ فتساءَلت:” إذا كان الأحتشامُ مطلوبًا لماذا لا تتخذُ الكنيسة إجراءاتٍ صارمةً ضد المخالفين كمنعهم مثلا من دخول الكنيسة أو التناول؟
وآستغَّلت أرخوان الفرصة لتسأل ايضًا: “هل تقبيلُ يد الكاهن واجبٌ؟ لماذا؟ وإن كان واجبًا فلماذا لا يسمحُ كهنةٌ كثيرون بذلك؟
• وما أدراكَ ما الإحتشــام؟
نحن المسيحيين إيماننا بالمسيح ونلتزم بتعليمه. وتعليمه حمله إلينا العهدُ الجديد. وجاءَ في الأنجيل أنَّ يسوع طردَ التجّار من الهيكل لأنهم لم يحترموا قدسيتَه وأباحوا إستعماله لمنفعةٍ مادية، بينما هو مُقام لخدمةٍ روحية، قائلا: “بيتي بيتُ الصلاة، وأنتم جعلتموه مغارةَ لصوص” (متى 21: 13؛ مر11: 17؛ لو19: 46؛ يو2: 16). وهذا يعني أنَّ “لكل مقامٍ مقال”. ويجب إعطاءُ كلِّ شيءٍ حَّقَهُ. وبما أنَّ الهيكل/ الكنيسة مقامٌ للصلاة والعبادة فهو ليس محَّلاً لآبراز مفاتن الجسم ولا لعرض الأزياء أو للتباهي بالثروةِ بالتزَّين بالحلي والجواهر. ينصح مار بطرس النساء: “لا تكن زينتكن خارجية بضفر الشعر والتحَّلي بالذهب والتأَّنقِ في الملابس. بل داخلية بما في باطن القلب من زينةِ نفس وديعةٍ مطمئنَّةٍ لا تفسد، وثمنها عند الله عظيمٌ” (1بط3: 3-4). ومثله علَّم بولس (1طيم 2: 9-10). لكن كليهما لم يحصرا الأحتشام ببيت الله، بل عَّمَماه على الحياةِ اليومية في كل زمان ومكان.
هذا هو الأيمان. والأيمان، كالأخلاقِ والخلاص، لا يُفرَضُ على الناس بالقوة. بل يُعرَضُ ويُدعى الى قبوله والألتزام به بوعي وحريةٍ تامة. يسوع نبَّه بطرس عن نكرانه. وحَذَّرَ يهوذا عن خيانته. لكنه لم يتخذ ضدهما أيَّ إجراءٍ تعَّسفي. ولا حتى لام بعده بطرس على فعلته. بل قدَّمَ له فرصةً ليُعَّبرَ ويؤَّكدَ على ندامتهِ ومحبته له أكثر من بقية الرسل مجتمعين. لأنَّ كُلَّ ما يُفرض لا يُعتبر جهدَ الأنسان وفعلَه. فلا يُمدَحُ المرءُ عليه ولا يُذَّم. ما فعله المسيح في الهيكل إستهدفَ أنْ يَهُّزَ ضميرَ اليهود ويُوقِظه على خطأِ ما يجري. لأنَّ ما كان يجري كان يُعتَبَرُ صحيحًا وخدمةً. ربما عاد اليهود الى التجارة في الهيكل، بينما لم يُكَّرر يسوع فعله. إكتفى بالتنبيه والتحذير. وَعَّى الشعبَ على سوء قيادة الرؤساء. ورسم الخطوط الرئيسة لوجه الحقيقة المفروض قبولها وآتّباعُها.
إن كان الأحتشامُ مطلوبًا لا يعني ذلك أنه يجبُ فرضُهُ بفرض العقوباتِ على المخالفين. ربما يتوسلُ البعضُ أن تمنعه الكنيسة، لسبب أو لآخر، من دخولها أو التناول حتى يتركوا العبادة وإلقاء اللوم على الكنيسة. الكنيسة أمٌّ تحبُّ، كالمسيح، أبناءَها وتضَّحي من أجلهم وتأبى أن تُضَّحي بهم! ليس سلاح العنف ماضِيًا كسلاح المحَّبة. فالكنيسة تستعملُ كالمسيح المحَّبة لا العنف. الأجراءاتُ الصارمة من فكر الأنسان وشيمته لا من رغبة الله وسياسته. والكنيسة موكولة بالشهادةِ للمسيح وتطبيق تعليمه لا بآتّباع النزعة الشهوانية العنيفة. إنما لن تتراجع عن موقفها، حتى لو تراجع عنه بعضُ أعضائها، في المطالبةِ بالأحتشام الضروري في كل مرافق الحياةِ ومجالاتها. ولن تتبنى الصرامة والعنف حتى لو زاوله بعضُ أبنائها.
• قبلة يد الكاهن!
ليست قبلة يد الكاهن أو حتى الأسقف من عناصر الأيمان حتى يلتزم بها المؤمنون. إنها علامة فقط للأحترام، كما تجري في بعض قطاعات المجتمع المدني. في العشائر مثلا يقبل أعضاؤُها يد رئيس العشيرة علامة الأحترام والخضوع له. والكاهن يقودُ أبناء الرعية وهو مسؤولٌ روحيًّا عنهم، ويوزّعُ عليهم الأسرار فعليه درجت قبلة يدهم دون أن يأمر بها قانون أو تعليم علامة الأحترام والخضوع لتعليمه وإرشاداته. ولأنَّ التطورات الأجتماعية، الملحدة في غالبيتها، شوَّهت صورة الكاهن ونعتت تلك القبلة بعلامة “إستعباد” وإهانة للكرامةِ الأنسانية، فكَّرَ كهنة كثيرون أن يُجَّنبوا مؤمنيهم معاناةً مشابهة فرفضوا السماح بقبلة يدهم وآكتفوا بالمصافحة “الأنسانية المحضة” تجَّنبًا لإحراج المؤمن أو المواطن الناقد. لا تنحصر المحبة والأحترام بقبلة اليد بل يمكن التعبير عنها بألف شكل آخر لا يُشَّككُ ولا يجرحُ ولا يهين، بل ربما يبني ويُبْهِج. ومار بولس هو أول الداعين الى إحترام الكهنة وإكرامهم (1تس5: 12-13؛ 1طيم5: 17)، إنما بالمحبة والتقدير لا بقبلة اليد. أما بطرس فيدعو الشيوخ {الكهنة} الى عدم استعباد المؤمنين بل الى إعطائهم القدوة في التواضع والمحبة والخدمة (1بط5: 1-4).