أحد السعانين وعيد دخول الرب الى أورشليم/ ملك بدون جواد
المطران ازاد شابا
أحد السعانين
ملك دون جواد
الملك المسيحاني القادم، ابن داود، هو ملك عادل ينصف الشعب والفقراء وفيه تشرق العدالة الالهية. هو ملك السلام يزيل مركبات الحرب ويكسر القسي. وملكوته شامل يمتد من البحر الى البحر الى أقاصي الأرض، عابر للحدود والثقافات.
زكريا 9/ 9-12
يقدم لنا هذا النص رسالة مسيحانية أصيلة وصريحة جدا، موجهة الى “ابنة صهيون، ابنة أورشليم”. وهي تقدم لحظة وصول الرب الى المدينة المقدسة فيقول: “ابتهجي يا بنت صهيون، واهتفي يا بنت أورشليم ها ملكك يأتيك عادلا مخلصا وديعا راكبا على حمار، على جحش ابن أتان”. لا يأتي ممتطيا صهوة جواد، لأن الجواد حيوان مخصص للحرب فقط. والملك الذي يأتي راكبا عربة وخيولا يريد أن يبني سلطته على قوة السلاح. أما الحمار فهو حيوان (مسالم) يستخدم بشكل أساسي لنقل الأشخاص والبضائع.
هذ الملك الذي يعلنه زكريا سوف يقمع الحرب ليس فقط في اسرائيل، بل في كل أنحاء العالم. فلا حاجة بعد الى السلاح. وقد تحققت نبوءة زكريا عندما دخل يسوع أورشليم. وأكثر من هذا، يشير أيضا الى نوع المملكة التي أسسها يسوع. النص لا يوضح الصورة المستقبلية لمسيح الصغار والفقراء فحسب، بل أيضا هوية الشعب المسيحي نفسه. حسب ما كتب النبي صفنيا: “التمسوا الرب يا جميع ودعاء الأرض الذين عملوا بأحكامه. أطلبوا العدل. أطلبوا الوداعة …” (2/ 3).
ينبىء النبي هنا، كما في اعلان انتصار، بتدخل نهائي لله الذي يطهر الشعوب المجاورة بعد انهزامها ويدخلها في جماعة المؤمنين. فيظهر لوقته وجه الملك المشيح، وهو يفتتح بالتواضع ملكوتا مثاليا يجمع شمل جميع المشتتين من الشعب، أينما كانوا. هكذا فان عمل الخلاص يتحقق عن يد الرب نفسه، فهو الذي يتولى اخضاع الأعداء وجمع شمل الشعب كله. ويستطيع الوثنيون أن يرجوا دخولهم في هذه الجماعة. وسيكون لهم مكان بين عشائر يهوذا. ولكن لابد أن يخضعوا لكل ما تقتضيه الشريعة من ممارسات طقسية وشعائر العبادة، فانضمام الغرباء يمر بانتسابهم الى الجماعة اليهودية.
تساعدنا هذه القراءة على فهم دخول يسوع الى أورشليم، الذي هو بعيد كل البعد عن غطرسة الاسكندر وسائر القوى الكبرى. يسوع هو الوديع الراكب على حمار، لا على جواد ترافقه المركبات الحربية. وهنا تحل صورة الوداعة والاتضاع والضعف محل الصور الكثيرة التي تعبر عن حالة الحرب في الكتاب المقدس.
رومة 11/ 13-24
يتوسع النص في موضوع دخول الأمم في ميراث اسرائيل. اسرائيل رفض نداء الايمان، فرذل وحل محله شعب آخر وثني. ولكن السؤال هنا: هل نبذ الله شعبه؟ كلا، وبولس هنا يمثل برهانا حيا على ذلك. الخلاص متاح للجميع، لكن البعض لم يسمعوا ولم يفهموا. ورغم الجحود المنتشر، يبقى الايمان حاضرا بنعمة الله. ان تجربة اهتداء الوثنيين هي احتقار اليهود. فذكرهم بولس أن المسيحية ولدت في الشعب اليهودي وأن الوثنيين المهتدين مطعمين على هذا الشعب الذي يقدر أن يعطي ثمرا لأنه ينتمي الى الأصل. ولكن الغيرة الى الآن كانت بالضد من الانجيل، ورجاء بولس هو أن تتحول الى غيرة من أجل الانجيل.
يرتبط خلاص الأمم باليهود منذ ابراهيم في مسيرة التدبير الالهي. فلا داعي للافتخار الذي يعارض الايمان، والذي يدل على اكتفاء ذاتي وكأنهم باستحقاقاتهم تبرروا، هذا الوضع الجديد ناله الوثني المهتدي هو نعمة مجانية. على الأمم أن لا يتكبروا لأنهم قبلوا المسيح، ليس لهم الحق أن يحتقروا اسرائيل.
في النهاية، تبقى امكانية التوبة حاضرة ومتاحة لكل من يرغب بالعودة الى الرب. وها هي صورة الاب الرحوم قائمة في أذهاننا وهو يقبل ابنه الضال الذي عاد اليه (لوقا 15/ 11-32). وهنا الجواب على السؤال السابق: الله لا ينبذ شعبه. ولا يندم على عطاياه، بل يبقي باب الخلاص مفتوحا أمام شعبه وأمام الجميع برحمته الواسعة ومحبته الشاملة.
يريد بولس من خلال هذا النص، أن يقتلع كل اكتفاء، وينبذ كل احتقار تجاه الذين رفضوا المسيح. لأن الاختيار في يسوع المسيح هو هبة بالنسبة الى اليهودي كما الى الوثني. فالاختيار هو نعمة مجانية، وطوبى لمن يقبل هذه النعمة بالشكر.
متى 20/ 29-21/ 22
يسوع هو الملك الحقيقي، الذي يؤسس ملكوته على العدل والتواضع والسلام للأمم. هذا السلام هو المصالحة مع الله، والتي ستتم فيه، معه ولأجله. لن يقتصر على يهوذا، بل يمتد سيطرته من البحر الى البحر، الى أقاصي الأرض، فملكوت المسيح سيشمل جيع الناس.
هذا النص من أنجيل متى، يدعونا الى مرافقة يسوع في الأيام الأخيرة من رحلته على الأرض قبل موته وقيامته. تبدأ الرحلة بأحد السعانين، حيث نحتفل بعيد دخول المسيح الى أورشليم، بعد أن أقام لعازر من بين الأموات. والكنيسة تحتفل بعيد دخول المسيح الى أورشليم في هذا اليوم لثلاثة أسباب:
لأنه بداية الآلام؛
لانه علامة لدخول المسيح المنتصر الى أورشليم السماوية بعد آلامه وموته وقيامته المجيدة وصعوده؛
ولأنه دليل كبير على أن المسيح هو ملك اليهود في الحقيقة، ملك الشعوب وملك السماء والأرض: “ان سكت هؤلاء، فستنطق الحجارة”. وملكوت المسيح روحاني ومتواضع: “قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك ياتيك متواضعا راكبا على الحمار”.
ففي الطريق الى أورشليم يمر يسوع في أريحا. وهناك يشفي أعميين يرددان صلاة تتكرر: “ارحمنا يارب، يا أبن داود”. يتوقف يسوع ليكلم الأعميين لأنه يهتم بالجميع، وعلى الخصوص بالمرضى والمهمشين والفقراء. ينال الأعميان مطلبهما وتنفتح عيونهما ويريان يسوع. عكس الذين تبعوا يسوع ولكنهم ظلوا عميانا وقساة القلوب. بهذا الموقف يؤكد أنه هو داود الجديد، الذي جاء ليخدم ويشفي، لا ليعيش خارج الزمن. رغم الآلام التي تنتظره، يبقى مهتما لأمر الآخرين وهمومهم ويشفق عليهم ويمنحهم لمسة شفاء ويشملهم بخلاصه.
يواصل يسوع رحلته الأخيرة نحو أورشليم، طالبا بل مستعيرا أتانا وجحشا، مثل مطية الآباء كما نقرأ في سفر التكوين: “يربط بالكرمة جحشه، وبالدالية ابن أتانه” (49/ 11)؛ وفي سفر القضاة: “أنشدوا أيها الراكبون الأتن البيض” (5/ 10). هو لا يطلب مطية الأغنياء والأقوياء، ولا يأتي راكبا مركبة ملوكية، ولا ممتطيا صهوة جواد أنيق. وفي لغة عسكرية نموذجية تعبر عن القوة والفخامة والسلطة، فان الملك يدخل منتصرا، ولكن ليس على جواد قوي وجميل، بل على أتان. ولكن هل يمكن لملك بدون جواد أن يكون ملكا حقيقيا؟ حسب الكتاب المقدس، نعم. فلن يكون هذا الملك مضطرا لتجربة منصبه كممارسة استبدادية للسلطة او كمنصب امتياز. فالعدل والخلاص (أي النصر) يأتيان من لدن الله الذي يضع فيه هذا الملك ثقته. بالاضافة الى الصفة الثالثة وهي التواضع، وهو الموقف من الرعية. باختصار، فان السلوك السلمي والتواضع يعبران عن تجربة التباين مقارنة بنماذج الملوك المعاصرين والقدامى.
ملكنا ليس ككل الملوك، انه يؤثر الحمار على جواد المنتصرين، ويختار فضيحة الصليب بدلا من تاج الأقوياء، ويفضل أن يشرح الملكوت بقصص الحياة اليومية، بدلا من التفكير العميق والمتعلم. بالنظر الى حياة يسوع والاستماع اليه، نفهم من هو الله.
فلنستعد لاستقبال ملكنا، بالتحرر من طمع التملك والعطش الى السلطة ومحاربة الفساد والجشع، ولنعد قلوبنا ليملك عليها الآتي باسم الرب، ملك السلام. ونهتف: اوشعنا، في الأعالي، اوشعنا لابن داود.