الاحد السادس من الصوم/ الديان هو الله
المطران ازاد شابا
الأحد السادس من الصوم
الديان هو الله
ان الله يسوس حكم العالم والبشر، وكلمته تبين الحق وترسي قواعد العدالة. فهو فاحص القلوب والكلى، ويعرف الأخيار والأشرار. بل ويسيطر على مجريات الأحداث، وهو من يوجهها حتى يتمكن الأبرار من الانتصار على التجارب، فيما ينال الأشرار جزاءهم.
تكوين 19/ 1-26
هذه الدينونة تبرزها قصة سدوم وعمورة، التي تتصدى لموضوع الخطيئة وما تجلبه من دينونة الله. أصبحت سدوم وعمورة مضرب المثل في فساد البشر وعقاب الله، وهناك اشارات عديدة لذلك في الكتاب المقدس. كاتب القصة كان شاهد عيان لدمار المدينة بسبب البركان، فخلص الى عبرة للمؤمنين الذين يعيشون الفلتان الجنسي.
لكي نفهم هذا النص علينا العودة الى الفصل 18 الذي هو بمثابة تمهيد له، لأن الظهور عند بلوط ممرا مرتبط بتشفع ابراهيم ودمار سدوم. يرتكز النص على خلاص لوط الذي أخرج من عالم الخطيئة حتى وان كان مترددا. يبدأ الخبر ظهرا، والنور اشارة الى حضور الله. بينما في المساء وبداية الليل اشارة الى ظلمة الخطيئة، حيث كان ابراهيم أمام سدوم. وفي الغد، صباحا، ينتهي كل شيء وتبدأ حياة لوط من جديد.
لقد كانت الرذيلة التي تخالف الطبيعة والتي يشتق اسمها من هذه الرواية فظيعة عند بني اسرائيل وكانت عقوبة مرتكبها الموت. الا انها كانت منتشرة في الجوار. واذا ما علمنا أن شرف المرأة آنذاك كان أدنى قيمة من واجب الضيافة، عندها يمكننا أن نفهم لماذا يقدم لوط ابنتيه لأهل سدوم بدلا عن الرجلين الضيفين.
السؤال الهام هنا وهو يمثل سؤال أو مشكلة كل الأجيال: هل على الأبرار أن يعذبوا مع الخاطئين وبسببهم؟ أو هل يهلك البار بسبب الأشرار؟ لقد كان في اسرائيل القديم، الشعور بالمسؤولية الجماعية شديدا حتى ان هذا النص لا يتساءل هل من الممكن أن يبقى على الأبرار أفرادا. فالله سيخلص لوطا وعائلته، أما ابراهيم فيسأل، بما أن مصير الجميع واحد، هل يستطيع بعض الأبرار أن ينالوا الغفران عن الخاطئين؟ وفي أجوبة الله نستشف تأييدا لدور الخلاص الذي يمثله القديسون في العالم. لكن ابراهيم، في مساومته على الرحمة، لم يجرؤ على التخفيض الى ما دون العشرة أشخاص، بينما يقول ارميا 5/1 وحزقيال 22/ 30 ان الله يعفو عن أورشليم بكاملها، ان وجد فيها بارا واحدا. من ثم نقرأ في اشعيا 53 ان عذاب العبد وحده سيخلص الشعب كله. لكن هذا الأمر لن يكون مفهوما الا عند تحقيقه في المسيح. كان الله مستعدا أن ينجي المدينة ان وجد فيها عشرة أبرار. بل ان بارا واحدا يستطيع أن يبعد الشر عن المدينة. فالله لا يريد أن يحكم على البشر ويدمرهم، بل أن يخلصهم.
في هذه القراءة يدعونا صوت الرب الى الهروب وعدم النظر الى الوراء. عكس الهروب هو ما نجده في موقف لوط الذي يتباطأ ولا يتعجل حين يتطلب الأمر الهروب. هو موقف عدم القدرة على الانفصال عن الشر والخطيئة. نعم، نريد الخروج والهروب، ولكن ثمة ما يعيدنا الى الوراء. القديسة ترازيا الطفل يسوع تعلمنا أنه في بعض الأحيان وفي مواجهة بعض التجارب، يكون الحل الوحيد هو الهروب، وألا نخجل من الهروب، مدركين أننا ضعفاء. لذلك، حين نواجه الخطيئة، علينا أن نهرب دون حنين، ولا نظرة الى الوراء.
رومة 14/ 10-19
الرسالة أيضا تتحدث عن أن الله وحده هو الديان، والمسيح القائم من الموت يشاركه في هذه الميزة. فلماذا يتعدى الانسان على حق الله ويسعى الى أن يدين أخاه؟ الضعيف يدين القوي، والقوي يحتقر الضعيف. أما الله فيدين كل واحد بحسب أعماله “لأننا لا بد أن نظهر جميعا لدى محكمة المسيح لينال كل واحد جزاء ما عمله وهو في الجسد، أخيرا كان أم شرا” (2 كورنتوس 5/ 10).
يطلب بولس من الأقوياء (مسيحيي الأمم) والضعفاء (مسيحيين من أصل يهودي) أن لا يحكم الواحد على الآخر. فالمحبة الأخوية تتيح للجميع أن يعيشوا في السلام والوحدة، ويناشدهم أن يقبل الواحد الآخر دون الدخول في مجادلات تافهة. واذا كانت نعمة الله قد بررت الأقوياء والضعفاء، فلماذا لا تلهم المحبة تصرف الفئتين؟
على الانسان أن ينطلق من يقينه ومن صوت ضميره ليحيا للرب، دون أن يسعى ليدين الآخرين. فحين ننظر الى الآخرين ننسى النظر الى نفوسنا وننسى نمونا في المسيح. على المسيحي أن يحترم أخاه المسيحي داخل المحبة الأخوية. وهناك مراعاة الأخ الضعيف ولو على حساب الحرية التي لنا في المسيح. لا تهلك بطعامك ذاك الذي مات المسيح من أجله. لهذا، يبقى علينا أن نساند بعضنا بعضا في السلام والتفاهم. فلا نحكم بعضنا على بعض، ولا نكون عثرة وعائقا يجعل أخانا يسقط. على الأقوياء أن يتنبهوا لئلا يصبح سلوكهم سبب عثرة لاخوتهم. ثمة طريق واحد، هو طريق المحبة.
يو9 / 39-10/ 21
تتطرق الآيات الأخيرة من الفصل 9 الى الدينونة، والفصل بين العميان الذين يفتح يسوع عيونهم (الأعمى من بطن أمه نموذج جميع المؤمنين) وبين العميان الذين لا يريدون أن يبصروا (الفريسيين “القادة العميان” متى 23/ 16-19 الذين ما عادوا يبصرون لأنهم ضربوا بالعمى الروحي). فيواصل يسوع في انجيل يوحنا كلامه في مثل الراعي والحظيرة (10/ 1-5).
يسوع يقدم نفسه على أنه الراعي الصالح الذي يأتي ليخلص الخراف الضالة. هو ليس الراعي فقط، بل “الباب” الذي يدخل من خلاله القطيع. كل الذين جاءوا ولم يدخلوا من ذلك الباب كانوا لصوصا وقطاع طرق وأرادوا استغلال القطيع، أنهم رعاة مزيفون. وفي تاريخ الكنيسة كان هناك الكثير من هؤلاء الذين استغلوا القطيع. هم لم يكونوا مهتمين بالقطيع، بل انصب اهتمامهم بالمهنة أو بالسياسة أو بالمال. لكن الخراف تعرفهم، وقد عرفتهم دائما.
ولكن عندما يكون هناك راع صالح يقود، فان القطيع نفسه يتقدم الى الأمام. الراعي الصالح يستمع الى القطيع، يرشده ويعتني به. والقطيع يعرف كيف يميز بين الرعاة. ولا يخطيء في ذلك: القطيع يثق بالراعي الصالح، يثق بيسوع، وحده الراعي الذي يشبه يسوع يثق بالقطيع، لأنه هو الباب. أسلوب يسوع يجب أن يكون أسلوب الكاهن، وليس هناك أسلوب آخر غيره. ولكن حتى يسوع الراعي الصالح، كما يقول بطرس: “تألم لأجلكم، تاركا لكم قدوة لتتبعوا خطواته: لم يرتكب خطيئة، ولم يوجد في فمه مكر. شتم لم يرد بالشتم، أضطهد، لم يهدد بالانتقام” (1 بطرس 2/ 21-23). لقد كان وديعا، واحدى علامات الراعي الصالح هي الوداعة. الراعي الصالح لطيف. الراعي الذي ليس وديعا ليس راعيا صالحا، له ما له في الخفاء، لأن الوداعة تظهر كما هي دون أن تدافع عن نفسها.
الراعي حنون، لديه حنان القرب، يعرف الخراف كل واحدة باسمها، ويعتني بكل واحدة كما لو كانت هي الوحيدة، لدرجة أنه عندما يعود الى المنزل بعد يوم عمل وحتى لو كان متعبا، وأدرك أنه يفتقد واحدة، فيخرج مرة أخرى ليبحث عنها (وبعد أن يجدها) يأخذها معه ويحملها على كتفيه (لوقا 15/ 4-5).
هذا النص يدعونا الى امعان النظر في علاقة الحب الشخصية الناتجة من بذل يسوع ذاته من أجلنا وفقا لمشيئة الله. في عالم اللصوص والذئاب الذي نعيش فيه، عندنا راع عظيم لا يتركنا أبدا. يسوع يعطينا حياته. ورسالته هي رسالة عالمية: لي خراف أخرى.
تعليم هذا الأحد السادس من الصوم، يبرز سبب الدينونة الأساسي، وهو موقف الانسان ازاء الانجيل، وموقفه من قريبه. فالدينونة هي كشف لخفايا قلوبنا، أكثر منها كحكم الهي. فالذين أعمالهم شريرة، يفضلون الظلام على النور. ماذا يفعل الله مع هؤلاء المكتفين بذواتهم ويفتخرون بأنهم يرون الأمور بوضوح؟ يتركهم على عماهم. وأما الباقون، فيأتي يسوع لينير عيونهم، حتى اذا ما عملوا للحق، يقبلون الى النور.
“الرب راعي، فلا يعوزني شيء” (مزمور 23/ 1).