الاحد الاول من البشارة “قصة العهد بين الله والانسان”
المطران ازاد شابا
القراءة الاولى (تك 17/ 1-27): قصة جديدة عن العهد (من التقليد الكهنوتي). يختم العهد ويثبت نفس الوعود المذكورة في تك 15 (من التقليد اليهوهي)، لكن هذه المرة يفرض على الإنسان التزامات الكمال الخلقي (الآية 1)، ورابطة دينية مع الله (الآيات 7-19) وفريضة إيجابية، هي الختان. يتراءى الرب لأبرام ويقول عن نفسه: أنا القدير، بالعبرية شداي (اله الجبال والقوة). بحسب المفهوم القديم، فإن اسم الكائن لا يشير إليه فحسب، بل يحدد طبيعته أيضًا. فإذا حدث تغيير في الاسم، حدث تغيير في المصير. في خبر العهد الذي قطعه الله مع ابراهيم، كان الختان علامة العهد الأبدي بين الله من جهة وابراهيم ونسله من جهة أخرى. تبدل اسم أبرام (أب رفيع) الى ابراهيم (أبو جمهور كبير). فتبدل مصير أبي الآباء. والختان الذي عمل به لدى جميع الساميين، اتخذ لدى الشعب العبراني معنى دينيا (ولم يعد فقط طقسًا لبدء الزواج ولحياة العشيرة؛ تك 34/ 14؛ خر 4/ 24-26؛ لاويين 19/ 23). إنما يصبح “علامة” العهد بين الله والمؤمنين، تذكّر الله بعهده (مثل قوس قزح، تك 9/ 16- 17)، وتذكر الإنسان بانتمائه إلى الشعب المختار وبالالتزامات المترتبة على ذلك. فرض الختان على العبيد وعلى الأحرار، ليدل على أن جميع البشر متساوون أمام الله. واكتسب الختان أهميته ابتداءً من المنفى-الجلاء (راجع 1 مك 1/ 60 وما يليه؛ 2 مك 6/ 10). ويفسره القديس بولس على أنه “ختم بر الإيمان” (رومية 4/ 11)، وان رضى الله على ابراهيم لم يكن نتيجة الختان، بل ايمانه بالله قبل أن يختن (رو 4/ 11). وحول “ختان القلب” علينا العودة الى إرميا 4/4 وكشف الغطاء الذي يمنع الانسان من أن يفهم. يسوع ايضا ختن شأنه شأن كل يهودي. وحين يقول الله لابراهيم احفظ عهدي؛ نفهم أن الله وحده من يعقد العهد، ويقرر ما يفرضه من متطلبات. كما كان مع آدم ثم مع نوح، لا رجوع عن هذا العهد، فيرتبط بأمم كثيرة، لا الشعب العبراني وحسب، بل سائر الشعوب مثل الاسماعيليين والادوميين (أبناء عيسو). يستند هذا العهد الى ارادة الله المطلقة، لا الى سلوك الانسان الضعيف. وان خان الانسان الله، فالله يبقى امينا. وما يطلبه الله هنا من شعبه هو حفظ العهد جيلا بعد اخر؛ ختان كل ذكر علامة للعهد، والذي لا يختن، يقطع بمعنى يموت ولا يعد من شعب الله.
القراءة الثانية (أفسس 5/ 21-33): هذا النص هو من ضمن القسم الثاني من الرسالة إلى أفسس (الفصول 4-6) ويتضمن تعليمات وتوجيهات للبيت المسيحي، يركز على التعليم الاخلاقي، ومنها الدعوة الى ترك الحياة القديمة والأخذ بحياة جديدة، ولا سيما في الحياة الزوجية والعائلية. يحث بولس المتزوجين على المحبة المتبادلة والتفاهم الكامل في البر كما هو الأمر بين المسيح وكنيسته. في الماضي وقبل المسيحية تميزت العلاقة بين الزوجين بسيطرة الرجل على المرأة. بينما في التعليم الجديد ما يطبع هذه العلاقة هو الحب المتبادل، وهذا الحب يرمز الى وحدة المسيحيين بعضهم مع بعض، ووحدتهم مع المسيح. أما الخضوع الذي يدعو اليه هنا، فالقصد أن في كل علاقة يستطيع الواحد أن يخطو الخطوة الاولى، أن يقوم بعمل اتضاع من أجل المصالحة. ونحن نقوم بهذا الخضوع حين نمتلىء من الروح. فنحن هنا أمام علاقة متبادلة، لا أمام خضوع وحسب، فالخضوع هنا لا يعني خضوع العبيد، إنما خضوع الابن للآب. كما ضحى الرب بنفسه من أجل كنيسته، هكذا يعمل الرجل من أجل امرأته، والتضحية من أجل المحبوب حتى الموت تتجاوز عمل الخضوع الذي تقوم به المرأة. وكما أن يسوع لا يكتفي بأن يغفر للكنيسة، بل يعطيها حياة القداسة لتكون عروسه، كذلك على الزوجين أن لا يكتفيا بالغفران الواحد للاخر، إنما أن يساعد احدهما الاخر للبلوغ الى القداسة من خلال الحب الذي يتبادلانه، والأحترام الذي يظهرانه ليس تجاه بعضهما فحسب، إنما تجاه أولادهما أيضا، مبتعدين عن كل عمل غير عاقل تجاههم، أسوة بالرب المربي الحقيقي وامتثالا لصبره وطول أناته وغفرانه اللامحدود. وبعدما اكمل بولس وصية الزوجة والزوج دخل في وصية الأولاد وآبائهم. لا يمكن وضع واجبات ملزمة على الأولاد قبل اتمام واجبات الوالدين إزاء أبنائهم. هنا نلاحظ أمرا هاما لدى بولس، هو أنه لا يذكر حقوقا لأحد ولكنه يبرز الواجبات، فالحق هو عند الله، وهذا ما أشار اليه اشعيا اذ قال:”حقي عند الرب” (49/4).
القراءة الثالثة (لوقا 1/ 1-25): في هذه الاحاد من زمن البشارة، وضمن القراءات المخصصة تتلى علينا قصص من الانجيل. هذه القصص لا تحكي لنا تاريخا، اي ما حدث قبل 2000 سنة، ولا تنقل ذكريات العائلة المقدسة. لكنها تدعونا إلى تعمق لاهوتي في هوية يسوع والتأمل في شخص يسوع؛ من هو يسوع؟ ولماذا جاء؟ وما هي رسالته؟ يوجه لوقا كتابه الى ثيوفيلوس، وهو اسم يوناني يعني “محب الله” اذا، هو ليس شخصا بعينه، إنما هو أنا وأنت. وبالتالي فالانجيل موجه لي ولك، لنعترف بيسوع الرب المرفوع عن يمين القدرة والذي لا انقضاء لملكه، هو الذي يكمل وعد الكتاب المقدس؛ انه هو مخلص العالم، ليس قبل 2000 سنة فحسب، انما اليوم. هذا الاعتراف بيسوع، ليس شأن بعض الناس، انما “يعم كل الشعب بل العالم أجمع”. في نص إنجيل اليوم، يحكي لنا لوقا قصة يوحنا المعمدان. وقد سمعنا في هذه القصة بشارة زكريا، وليس في القصة أي ذكر لاسم يسوع! والشخص المركزي ليس زكريا ولا أليصابات، بل هو يوحنا. كل ما هو مذكور هنا هو لكي يرفع من شأن يوحنا المعمدان. فيظهر الملاك جبرائيل لزكريا في داخل الهيكل، لأن الهيكل هو قلب اسرائيل، ويتنبأ الملاك هناك بميلاد يوحنا ورسالته. ولا يقف حائلا أمام هذا الميلاد عقر اليصابات وسنها الكبير، ما يعني أن المولود منها هو من عند الله. وهكذا يخرس زكريا، وهذه علامة من السماء، وليس قصاصا. زكريا وأليصابات، من المؤمنين الصادقين الأوائل، كانا ينتظران شريعة الطقس ووصاياه. أليصابات كانت عاقرا مثل؛ سارة أم اسحق، رفقة أم يعقوب وعيسو، راحيل أم يوسف وبنيامين، حنة أم صموئيل، وأيضا أم شمشون.. كثيرون من الذين تكرسوا للرب، كانوا في بطن أمهاتهم بعد. مثل شمشون وارميا، وهذا يعني أن الله اختارهم للرسالة وهم في بطن أمهاتهم. وهكذا يوحنا، امتلأ من الروح القدس وهو بعد في بطن أمه. ويوحنا سيحمل هذه الرسالة: الدعوة الى التوبة. فالتنبوء بميلاد يوحنا المعمدان، هو إعلان وبشارة من الله بالخلاص. اذن؛ انجيل اليوم يحكي عن شخص يوحنا المعمدان، ومكانته في عمل الله وخطته. يوحنا هو بداية لكل الحياة المسيحية، بداية في حياة كل واحد منا، بداية طريق لنا، يهيئنا لمجيء المسيح. فلنستعد ونهيئ قلوبنا ونطهرها، ونحن نكمل دعوة يوحنا المعمدان الى التوبة؛ توبوا فقد اقترب ملكوت السماء، لكي نقبل الرب في قلوبنا، فنعيشه نورا وحقا وحياة.
تساعدنا الليتورجيا من خلال السنة الطقسية في اعادة احياء تدبير الله وخطته الخلاصية لنا، وها نحن في مستهل سنة طقسية جديدة نبدأها بزمن البشارة، وتدعونا القراءات في هذا الأحد الأول من زمن البشارة، الى تجديد عهدنا بالله لنتجاوب مع محبته لنا وأمانته المستمرة معنا، من خلال التزامنا بمواعيد معموديتنا، والخروج من ذاتنا نحو الاخرين والاهتمام بهم من خلال تبني حركة بذل الذات، والاستعداد لمجيء الرب واعداد الطريق لقدومه وحلوله بيننا وفي قلوبنا.
ترتيلة من طقسنا (زمن البشارة): “ان الله الكلمة (المولود) من الاب، لم يتخذ هيئة العبد من الملائكة بل من زرع ابراهيم، وأتى الينا في ناسوتنا بنعمته، ليخلص جنسنا من الضلال” (ترجمة المطران جاك اسحق).