الأحد السادس من الصوم “يسوع الراعي الصالح”
الأب زيد حبابه
النص الكتابي
“قال يسوع: إني أتيت لدينونة هذا العالم لكي يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون. فسمع هذا بعض الفريسيين الذين كانوا معه فقالوا له: ألعلنا نحن أيضًا عميان؟ قال لهم يسوع: لو كنتم عميانًا لما كانت لكم خطيئة والآن أنتم تقولون أننا نبصر فمن أجل هذا خطيئتكم ثابتة. الحق الحق أقول لكم ان من لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يتسور من موضع آخر فإنه سارق ولص. وأما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف. ولهذا البواب يفتح الباب والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه بأسمائها ويخرجها. وإذا أخرج خرافه يمضي أمامها، وخرافه تتبعه لأنها تعرف صوته. وأما الغريب فلا تتبعه الخراف لكنها تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغريب. هذا المثل قاله لهم يسوع أما هم فلم يفهموا ما كلمهم به. قال لهم يسوع أيضًا: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف وجميع الذين جاءوا هم سراق ولصوص لكن الخراف لم تسمع لهم. أنا الباب إن دخل بي أحد يخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويقتل ويهلك أما أنا فإنما أتيت لكيما تكون لهم الحياة ويكون لهم الأوفر. أنا الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن خرافه. أما الأجير الذي ليس براع وليست الخراف له، فإذا رأى الذئب مقبلاً، يترك الخراف ويهرب، فيأتي الذئب فيخطف الخراف ويبددها. وإنما يهرب الأجير لأنه أجير ولا يهمه أمر الخراف. أنا الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني. كما ان أبي يعرفني وأنا اعرف أبي وأبذل نفسي عن الخراف. ولي خراف أخر أيضًا ليست من هذه الحظيرة فينبغي لي أن آتي بها أيضًا وستسمع صوتي وتكون الخراف كلها واحدة والراعي واحدًا “. (يوحنا 9/39-41، 10/1-16)
يتكون هذا نص من مقطعين، الأول (يوحنا9/39-41) يضع يسوع في مواجهة مع الفريسيين بعد أن شفى الأعمى من مولده في يوم السبت (راجع: يوحنا9/13)، حيث استطاع الأعمى أن يُبصِر بفضل إيمانه بيسوع ؛ بينما القادة الدينيون بقوا عُمياناً، لم يقدروا أن يكتشفوا المسيح في شخص يسوع، لهذا يؤكد يسوع إنه جاء ليصدر حُكماً مَن هو الأعمى ومَن هو المُبصِر، فالأعمى الحقيقي هو من يرفض نور الإيمان مفضلاً البقاء في الظلام (كالفريسيين)، بينما المُبصِر هو مَن يَبلُغ الى النور الى يسوع (كما فعل الأعمى). أما المقطع الثاني (يوحنا10/1-16) يقدم يسوع نفسه بأنه باب الخراف والراعي الصالح ليوبّخ الفريسيين ورؤساء الكهنة الذين رفضوا الأعمى، لأن هذا التصرف لا يليق بالرعاة!
إن صورة الراعي حاضرة كثيراً في الكتاب المقدس: عُرف الله بأنه راعي إسرائيل (مزمور80/2) وشعبه هو غنمه (مزمور78/52 و100/3)؛ الرب هو الراعي الذي يعتني بشعبه (مزمور23)، ويوبخ الرعاة السيئين ويُرِسل الى قطيعه رعاة مختارين كي لا تبقى جماعة الرب كقطيع دون راعي (حزقيال34)؛ الآن نفهم عندما يقول يسوع: “أنا الراعي” معناه أنا الرب! وهذه اشارة واضحة لإلوهية المسيح. لا يقصد يسوع بكلامه عن الراعي مَن يقوم بواجبه الاعتيادي في رعاية الغنم وسقيها والاعتناء بها، إنما “الراعي الصالح هو من يبذل نفسه من أجل الخراف”، لهذا السبب يُعرِّف يسوع نفسه أنه الراعي الصالح لأنه بالفعل سيموت على الصليب حباً وتضحية لأجل خرافه أي لأجلنا.
إن دخول الراعي من الباب ودعوة الخراف بأسمائها علامة على العلاقة الحميمة المباشرة والشخصية مع الخراف أي معنا، ربّنا يعرفُنا بأسمائنا وله رسالة مميزة لكل منّا، فهو يحاورنا، يتكلم معنا ونحن نسمع ونميز صوته “خرافي تعرف صوتي” ومن ثم علينا تباعته، والاتباع يذكرنا بالتلمذة ليسوع فعندما كان يختار التلاميذ يقول لهم: “اتبعني”، “اتبعاني”! واذا تبعناه ستكون لنا الحياة.
يدعونا يسوع اليوم نحن المؤمنين وخصوصاً مَن لديه مسؤولية ما عن جماعة صغيرة كانت أم كبيرة: كالأب والأم والأخ الأكبر في العائلة؛ الشماس والكاهن والأسقف، الراهب والراهبة، معلم التعليم المسيحي في الكنيسة؛ المسؤول، الموظف والمدير في العمل و…الخ، أن نتّخذ من الراعي الصالح نموذجاً ومثالاً نقتدي به في ممارسة عملنا وسلطتنا في خدمة من أوكلهم الله الينا، ولنتذكر بأن نجاحنا مرتبط بمحبتنا المضحّية لمن نحن بخدمتهم، كالراعي الصالح الذي يبذل نفسه لأجل خرافه.