الضمير الأخلاقي والوعي النفسي
الأخت د. حنان إيشوع
المقدمة
يجب على كل مؤمن أن ينفتح تلقائيًا على كلام الله، فغالبًا ما يكتشف الإنسان في عمق ذاته ناموسًا لم يعرفه، يقوده ويلزمه بطاعة صوت يدعوه إلى حب الخير والعمل الصالح، وإلى تجنب الشر وكل ما يضرّ القريب.
إنه ناموس حفره الله في قلب الإنسان، وكرامته في أن يخضع له، وبموجبه سوف يُدان، إنه المركز الأشد عمقًا في الإنسان، وبقدر ما نفهم الوصايا وكلام الله ونواظب على الصلاة، وخدمة إخوتنا البشر وندرّب نفوسنا على ممارسة الفضائل حتى نصبح حساسين أكثر فأكثر.
الموضوع الأول
كيف يفهم الضمير؟
1. الضمير الأخلاقي
إن الإنسان لا يعرف فقط بل “يدرك” ما لا يعرفه أحيانًا، لإنه يشعر فقط إنه “يعرف” أو يشعر ويميز أي شيء بإيجابياته وسلبياته. هذا الإدراك، أو الإدراك الذهني للنفس وللشيء الخارجي، هو الذي يصنع الفرق بين الإنسان والمخلوقات الأخرى. إنه ما يسمى بالوعي.
لذا نستطيع أَن نقول بأن من ميزات الضمير: الإدراك الحسي نتيجة الانعكاس؛ التفرد الذاتي (الضمير النفسي)؛ التمييز بين الحقيقة والخطأ (الضمير المنطقي)؛ إدراك الفرق بين الخير والشر (الضمير الأخلاقي)، الفهم والشعور (ذكاء القلب)، فقلب الإنسان ليس مجرد مركز المشاعر، بل إنه مركز إدراك العالم ومركز معالجة جميع الرسائل الداخلية والخارجية وهو مركز القرار والبدء في جميع سلوكيات الشخص، وفيه يبني كل فرد هويته الخاصة، ومنه يُدعى الجميع لإدراك هذه الهوية من خلال تصرفاته الخاصة.
في الواقع، تحدث التجربة الأخلاقية لكل إنسان عندما ننظر إلى الخير على أنه معيار لتمييز الشر، مثال على ذلك: تحرير الوجدان من العبء؛ وضمير مرتاح؛ تصرف حسب الضمير؛ الشعور بالذنب…الخ. هذه كلها تعبيرات تشير إلى وجود “حاسة سادسة”، قادرة على “الشعور وتقييم” الصفة الأخلاقية لكل فعل.
الضمير الأخلاقي هو القدرة التي تسمح للإنسان بإصدار حكم عملي حول أخلاقيات أفعاله الفردية. والضمير الأخلاقي مثل “الصوت الداخلي” الذي يحث ويشجع ويلهم ويسأل ويلوم ويتهم ويوافق ويمدح. إن الضمير الأخلاقي يجعل المرء يشعر بالرضا عن الخير المنجز، والندم على الشر الذي حدث.
وعليه، يجب أن تتوافر بعض الشروط للحصول على حكم أخلاقي صحيح، منها: تحليل الوضع؛ معرفة القوانين المحلية؛ النظر في مصلحة الأشخاص المعنيين؛ الحس السليم؛ واستجواب الضمير الأخلاقي. خلاصة القول يمكننا أن نختصر ببعض الأسطر عن كيفية تربية الضمير الأخلاقي؟
الضمير الأخلاقي دائمًا شيء شخصي للغاية. يعتمد الكثيرمن الأشخاص على التعليم الذي يتلقونه وعلى العلاقة بين الآباء والمعلمين والمبادئ الأخلاقية.
يقول علماء النفس إن الآباء القلقين أو الدقيقين يمكن أن يربوا أولادًا متمردين. على العكس من ذلك، فإن الآباء الذين يتسمون بالهدوء في مواجهة الأعراف الأخلاقية قد يكون لديهم أولادًا عادة أكثر طاعة، والأهم من ذلك، قادرون على اتباع نهج أكثر حرية وصحة للسلطة. بالإضافة إلى التعليم والبيئة التي نشأ فيها المرء، فإن اختيارات الحياة لها أهميتها أيضًا، الاختيارات العاطفية وكذلك الاجتماعية والسياسية. هناك من هم حساسون للغاية في مجالات معينة وغير مبالين ببعض أخرى، والعكس صحيح.
لذا يجب أن يبحث الإنسان هو بذاته عن خالقه، حتى إذا التحق به يبلغ بحريته كماله مليئًا وسعيدًا. فكل إنسان يعمل باختياره الواعي والحر، أي أن يكون عمله شخصي وبدافع ومحرك من داخل ذاته، لا أن يكون بدافع داخلي غريزي.
2. الوعي النفسي
يعتبر الضمير النفسي حسب علم النفس الديني وعي الشخص بمكنوناته النفسية: الأفكار والمشاعر والعواطف …الخ. لذا فهو ليس سلبيًا أبدًا، وليس مجرد مرآة للنشاط النفسي، بل واقع نشط وديناميكي يساعد الشخص على معالجة نتائج التجارب العديدة، خاصة تلك التي تركت أثرًا سلبيًا على النفس، واتخاذ الخيار الأفضل. هذا، لأن الذات الواعية – الذات الشخصية لكل فرد هي في نفس الوقت ذاكرة التجربة الشخصية ومشروع الإدراك الذاتي.
من خلال التفكير الكامل في القيم، يصبح الضمير النفسي ضميرًا أخلاقيًا. وعليه، يصبح الضمير النفسي أو ضمير الذات أو الضمير الأخلاقي عندما يكون الشخص قد بنى داخله نظامًا قيمًا للخير، أي عندما يكون المرء قادرًا على أن يقرر بشكل مستقل ما يفعله جيدًا من أجل إدراك هويته بطريقة أصيلة ويتجنب الشر.
الضمير الأخلاقي إذا، لا يختلف عن الضمير النفسي، بل مثله مثل الضمير النفسي، هو للإبداع وللإختراع ولتنظيم القيم.